رغم التباين الكبير فى النظر إلى ثورة 25 يناير بين مؤيد إلى درجة الإيمان، ومعارض إلى درجة اعتبارها نكبة، فإنها كانت لحظة فارقة فى تاريخ مصر، ولا يمكن تصور سيناريو الأحداث لو لم تقم هذه الثورة، ماذا لو استمر مبارك فى الحكم قياساً على سنواته العشر الأخيرة، وسيطرت «جماعة جمال»، التى كانت واحدة من أسباب حالة الغليان، لاختلالات الخبرة والحنكة، وبالتوازى، وربما بالتداخل كانت خيوط عنكبوت الفساد تنسج شبكتها على مفاصل الوطن، وكلاهما كان وجوده قائماً على نجاح خارطة التوريث.
ومن يقترب من جيل شباب الثورة يلمس التناقض بين قدر الغضب، الذى أنتج الثورة، وانتهى إلى إسقاط النظام، وبين خفوت الرؤية السياسية والقدرة على الحراك التنظيمى والمؤسسى، إلا قليلاً من الكوادر اليسارية والناصرية، ولعلنا بين هذا وذاك نجد تفسيراً لعزوف الشباب عن الحياة الحزبية، وهو عزوف دعمه كرتونية وشللية وعائلية غالبية الأحزاب القائمة، ولا يستثنى منها أحزاب ما بعد الثورة، والتى تحلّقت حول مؤسسيها تأتمر بأمرهم، حتى بعد أن انتقلت قيادتها للصف الثانى، لكنه أقرب إلى الانتقال الشكلى.
وربما نفهم لماذا يصر كثير من الشباب على البقاء فى دوائر الثورة دون الانتقال المفترض، منها وبها، إلى العمل السياسى، وبعضها استغرقته مرحلة المراهقة الثورية، وصار الرفض عنواناً دون إبداء أسباب موضوعية أو طرح حلول على الأرض، وكيف يتوفر التحليل أو تطرح الحلول بغير كيانات سياسية تتوزع بينها هذه الرؤى، وتملك كوادر سياسية قادرة على التحليل والطرح، وهذه الكيانات هى «الأحزاب السياسية».
وبحسب العلوم السياسية، فالحزب هو تنظيم سياسى لمجموعة يتفقون فى رؤيتهم السياسية فيما يتعلق بكيفية إدارة الوطن وفق تصور محدد وتوجه محدد، خاصة فى الاقتصاد والعلاقات المجتمعية، وشكل وطبيعة وتوجه الآليات التى تحقق ذلك، خاصة منظومة التعليم، وغيرها من الآليات التى تشكل الرؤية الجمعية، وتحقق فى النهاية مطالب واحتياجات المجتمع، ولذلك فهو يسعى بالضرورة إلى تشكيل الحكومة، التى تأتى من الحزب الذى يحقق أغلبية برلمانية، من خلال منظومة الانتخابات التشريعية، وتسعى للوصول إلى السلطة من خلال الانتخابات الرئاسية، وهذا يتطلب وجوداً فاعلاً بين الجماهير لإقناعها ببرنامجها الحزبى، ومنهجها وقدرتها على تحقيقه، عبر جهود حثيثة لبناء جدار الثقة بين الحزب والشارع.
على أن الواقع يحمل معوقات موروثة تحول دون اختراق الشباب لحاجز العمل السياسى السميك، منها مقاومة الأحزاب القائمة لإفساح مساحة للشباب لمشاركة فعلية، خوفاً من إزاحة القيادات التقليدية عن مواقعهم، ومنها موجات التشكيك التى تصنعها القوى المقاومة للتغيير من أصحاب المصالح المستقرة، أو من القوى التى أضيرت من الثورة.
ومنها التشريعات القائمة والمنظمة لقيام الأحزاب، التى تحتاج لقراءة منفتحة تتفق وإمكانات الشباب وتستأنس بتجارب الدول التى سبقتنا، وانعكست تجربتها على حيوية الحكومة وانخفاض متوسط سن وزرائها، بل وصل شبابها إلى موقع رئيس الوزراء ومثالنا إيطاليا وإنجلترا.
لذلك، فالكرة فى ملعب مجلس النواب، ليعيد قراءة التشريعات المتعلقة بالأحزاب والانتخابات وقواعد تشكيل الحكومة، واختيار القيادات فى منظومة الإدارة المحلية، المحافظين ورؤساء المدن والأحياء والقرى، برؤية متكاملة لحساب الوطن من خلال الدفع بطاقات الشباب إلى مقدمة الصفوف.
فهل ينقل الشباب حراكه إلى مضمار السياسة؟
خروج حزب يعبر عن ثورة 25 يناير سيدفع إلى حراك سياسى حزبى حقيقى، يخلق تنافساً بين التيارات المختلفة على الأرض، تترجمه أطروحاتهم السياسية، تخرج بالشارع إلى تفعيل الديمقراطية بعيداً عن التنظير، بدءاً من تشكيل تنظيمات، ومواقع الحزب وصولاً إلى التجربة الديمقراطية الأكبر خارجه برلماناً ومحليات وحكومة.