أجدها خطوة جيدة تلك التى اتخذها الأستاذ حمدين صباحى، المرشح الرئاسى السابق، بالسعى إلى تشكيل كيان سياسى يضم المؤمنين بثورة يناير. المشهد السياسى بالفعل فى حاجة إلى هكذا كيان، كما أن أنصار الثورة المجيدة بحاجة هم الآخرون إلى الالتئام فى كيان سياسى يسعى إلى تفعيل قيمها وأهدافها فى واقعنا. المشهد السياسى فى مصر تراوح منذ الثورة ما بين طرفين، أولهما الإخوان وثانيهما المؤسسة العسكرية، ورث هذان الطرفان حكم حسنى مبارك، فأما الإخوان فقدموا أنفسهم كحكام جدد بعد الثورة، انطلاقاً من أمرين: أولهما أن الجماعة كانت -على الأقل فى الظاهر- الخصم الأبرز المعارض لنظام حكم «مبارك»، وثانيهما ذلك «النفخ» الذى مارسه البعض فى الإخوان، حين أفرطوا فى الحديث عن أنها الجهة الأكثر تنظيماً، والأقدر على السيطرة على الشارع، وبالتبعية السيطرة على الحكم، وقد انتهى المشهد الإخوانى النهاية التى تعلمها فى 30 يونيو 2013.
تعالَ بعد ذلك إلى المؤسسة العسكرية، وقد ظلت لستين عاماً متتالية مؤسسة الحكم فى مصر -عقب قيام ثورة يوليو 1952- وكان الانتماء إليها هو مسوّغ الشرعية لمن يحكم، بغضّ النظر عن استفتاء الشعب على شخصه، أو انتخابه (بعد عام 2005). كان من الطبيعى، بعد ثورة الشعب على الإخوان أن تعود المؤسسة إلى موقع الحكم مرة ثانية، بحكم أنها البديل الوطنى الوحيد المتاح، بعد عجز أنصار يناير عن الالتئام فى كيان سياسى مؤثر.
خطوة «حمدين» جيدة، لكن أرجو ألا تتوقف عند مجرد «لمّ الشمل الينايرى». الكيان السياسى المقترح لا بد أن يضع لنفسه هدفين، أولهما ترجمة قيم وأهداف يناير فى رؤية وبرنامج واضح المعالم والإجراءات، وحبذا لو انبثق عن هذا الكيان حكومة ظل، تقدم كوادر فى كل مجالات العمل فى مصر، وتتولى بحث المشكلات التى نعانى منها فى شتى النواحى، وتضع تصورات ورؤى لحلها والتعامل معها. الكيان السياسى الجديد لا بد أن يعد كوادر قادرة على حمل عبء القيادة مستقبلاً، وتحسن القيام بدور المعارضة البنّاءة حالياً. الهدف الثانى يتمثل فى التجهيز للمنافسة فى كافة الانتخابات المقبلة، وأولها الانتخابات الرئاسية التى ستشهدها مصر عام 2018، ومن الواجب أن يرتب من يريدون المنافسة فيها لأنفسهم من الآن، وثانيها الانتخابات البرلمانية المقبلة، وقد يكون من المفيد فى هذا الاتجاه أن يخوض الكيان الجديد تجربة الانتخابات المحلية، إن استطاع.
من المهم أن يتعلم أنصار يناير من أخطائهم، فتصدير من أرادت بعض الجهات تصديرهم كمعبرين عن الثورة، وغرق هؤلاء فى استوديوهات الإعلام، وولعهم بالجلوس إلى أصحاب السؤدد، أفقدهم الكثير. وعجز يناير عن تشكيل كيان سياسى قوى، وقادر على الاستقواء بالملايين التى نزلت عام 2011، كان الثغرة التى نفذ منها كل خصوم الثورة، ومكنت كل من كان من الوثوب على أكتافها. أرجو أن يتعامل المؤمنون بيناير مع مبادرة «حمدين» بما تستحقه من جدية، ولتكن تلك واحدة من خطوات كثيرة على كل مؤمن بيناير أن يخطوها حتى تؤتى الثورة ثمارها.