الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية-الفن الهابط.. والوطن المستباح
إذا كنا قد اكتشفنا مخططات الغرب لغزو الشرق باستخدام السينما.. فإننا الآن نقع في نفس الخطأ.
فالمخطط الأمريكي كان يستهدف إثبات سيادة الجنس الأبيض علي ما عداه.. ومن خلال السينما.. ومن أمثلة ذلك أفلام طرزان، سيد الغابة، الذي تطيعه كل كائنات الغابة من أسود ونمور.. وتماسيح.. تساعده في ذلك القرود، وشمبانزي بالذات وهي أرقي عائلات القرود.. وكان هو المنقذ والمخلص لكل من يقع في ورطة من سكان الغابة الافريقية.. أي سيادة الرجل الأبيض، الذي يفعل أي شيء، وكل شيء.. وكان هذ المفهوم يقول لنا ـ ونحن مبهورون بكل ما يفعله طرزان ـ إن الرجل الأبيض هو القادر حتي علي قيادته لغيره من الأجناس.. وكان هذا الهدف واضحاً لنا.. ورغم ذلك كنا ونحن أطفال ننتظر أفلام طرزان بكل الشوق واللهفة..
<< وكانت أفلام الغرب الأمريكي تقدم لنا معارك المهاجر الأوروبي إلي هذه البراري.. والمعارك الرهيبة بين الغزاة الجدد، أو المستعمرين البيض وبين الهنود الحمر، أصحاب الأرض الأصليين.. وللأسف.. كنا ونحن صغار، نصفق ونهلل ونحن نتابع إبادة المستوطنين البيض لقبائل الهنود الحمر الذين يحاربون دفاعاً عن أنفسهم وأرضهم.. وكنا فعلاً مخدوعين لكل ما نراه.. وكذا السينما ترسخ في عقولنا سيادة الرجل الأبيض في كل مكان.. وللأسف ترتكب السينما المصرية ـ هذه الأيام ـ نفس الجريمة أي تشويه عقولنا من خلال ما تقدمه من أفلام مثل عبده موتة وأورتيجا وابراهيم الأبيض.. وأفلام محمد سعد. وغيرها.
<< ولقد وصلنا فعلاً إلي منحدر رهيب من خلال مفهوم أن الجمهور عايز كده. ويؤكدون أن ايرادات الأفلام هي خير دليل علي هذا الاتجاه وهنا نقول: تذكروا أن أذواق سائقي الميكروباص والتاكسي هي السبب في القضاء علي الأعمال الرومانسية في الغناء وعصر العباقرة عبدالوهاب وأم كلثوم وليلي مراد ومحمد فوزي وعبدالمطلب.. بسبب إقبال هذه الفئات علي كاسيتات الأغاني الهابطة رغم جودة أصوات بعض هؤلاء.. ولكن هل نعتبر هذه الأصوات هي المعبرة عن فن الغناء الأصيل.. مهما اشتهرت، وانتشرت، وزادت مبيعاتها في الأسواق..
ونفس الشيء الذي أدي إلي انحطاط مستوي معظم الأغاني.. هو الذي يودي بالسينما المصرية إلي القاع.. مهما كانت حصيلة التذاكر.. ونحن بذلك نقتل بإرادتنا الفنون الراقية والأغاني الرومانسية بل ـ وقد قتلنا بالفعل ـ المسرح المصري الأصيل الذي عرفته مصر من العشرينيات، أي منذ قرن كامل من الزمان..
<< وكما انتشرت أفلام السوبر مان والرجل الأخضر.. وكارتون الرجل الوطواط والعنكبوت إلا أن الجيدين من الفنانين صبروا وصمدوا ليواصلوا تقديم الفن الذي يربي ويعلم كل المبادئ العريقة.. وهنا أتذكر العظيم بابا شارو «محمد محمود شعبان» والعظيمة أبلة فضيلة وكان كل منهما يقدم لأطفالنا كل جميل ويدربهم ويعلمهم السلوك الصحيح.. وكذلك ما قدمه عظماء فن العرايس المصريون الذين قدموا لنا روائع بوجي وطمطم.. وما كانت تقدمه الفنانة الرقيقة نجوي ابراهيم. وأذكر بكل تقدير البرامج الرائعة للعديد من القنوات التليفزيونية العظيمة مثل قناة طيور الجنة الأردنية، التي تعلم أولادنا قواعد السلوك السليم وتعليمهم الصلاة والصوم والأخلاقيات القويمة..
<< وربما أكون في مقدمة عشاق أفلام عصر الأبيض والأسود.. ولكنني أيضاً أرفض كل أفلام عبده موتة وأورتيجا وما علي شاكلتهما لأنها تعلم أولادنا كل ماهو سييء وقبيح.. وللأسف أصبحت هذه الأفلام السيئة هي المثل الأعلي أمام الأجيال الجديدة.. وعلي نفس الطريق تسير معظم مسلسلات التليفزيون هذه الأيام التي تحول الانسان إلي شرير يحمل السواطير والسنج ويشرب كل شيء ضار بالإنسان.. ونسينا رموزاً وطنية قدمت لنا عبر الأفلام والمسلسلات ـ زمان ـ كل ما يبني الشعوب.. وليس كل ما يدمر هذه الشعوب..
<< مطلوب وقفة جادة مع كل منتجي هذه وتلك.. إذا أردنا أن نبني المواطن الصالح.. في الوطن الصالح.. ولكن من يقوم بهذا الدور الانساني والاجتماعي الصالح.. في عصر تشوهت فيه كل الفنون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف