الوطن
ناجح ابراهيم
هل يندمج الإسلامى مع مجتمعه؟
- يبدأ الشاب فى التدين، يصلى باستمرار، يخشع فى صلاته، يقرأ القرآن ويسعى لحفظ ما تيسر منه، يجلس مع أصدقاء المسجد أكثر مما يجلس مع والديه، يهتم بأمور أصدقائه وقضاء حوائجهم والسير فى ركابهم وتنفيذ أوامر شيخه أكثر من تنفيذ رغبات والديه، يعتقد أن والديه يمثلان الدنيا وشيخه وأصدقاء المسجد يمثلان الدين، وقطعاً ويقيناً أن الدين أبقى وأهم من الدنيا، وبهذه الفلسفة المغلوطة لا يجد مشكلة فى تقديم شيخه على والديه، فإذا طلبت منه أمه شيئاً لم يهتم به فى الوقت الذى يسعى بكل طاقته إلى إنفاذ أوامر شيخه سريعاً.

- لقد ترك أشياء سيئة كثيرة مثل التدخين وهجر الصلاة والقرآن والمسجد وعدم المعرفة بدينه، ولكنه الآن يغفل عن «فقه الأولويات» الذى لا تصلح حياة الأفراد والجماعات والأمم إلا به، والذى يجعل رضا الوالدين وبرهما فى مرتبة تلى عبادة الله مباشرة، فبر الوالدين قبل بر شيخه أو المسئول عنه فى الجماعة، ورضا الوالدين أهم من رضا الجماعة التى ينتمى إليها.

- تخاف أمه عليه من هجومه المستمر على الحكومة فى دروسه وتأمره بالكف عن ذلك، يعتبر طاعتها معصية لله وهدماً لركن الصدع بالحق، ناسياً أن رضاها قد تكون فيه بركة له ونجاة فى الدارين.

- يوصيه والده ألا يهاجم الأشخاص فى خطبه ودروسه فيرفض بإباء لأنه لا يخشى إلا الله، يناشده الأب قائلاً: يا بنى إن القرآن لم يذكر أسماء الأشخاص الذين أنكر عليهم ظلمهم وبغيهم، كان يهاجم الفكرة ولا يهاجم صاحبها حتى تعم أصحابها فى كل زمان، وهذا أدعى لمثلك لتكون بمنأى عن الصراعات.

- يحدثه أستاذه أنه ينبغى أن يتعلم من «كليلة ودمنة» وبيدبا الفيلسوف الذى لم يجد طريقة لنصح وإرشاد الملك سوى أن يسوق الحِكم على ألسنة الحيوانات والطيور فيدرك الملك المراد ويصلح من شأن البلاد والعباد دون أن يقطع رقبة الفيلسوف.

- ويذكره بقصيدة شوقى التى هجا بها الملك وكانت مقررة فى الستينات وكان مطلعها «بَرَزَ الثَعلَبُ يَوماً فى ثياب ِ الواعِظينا.. ومَشى فى الأَرضِ يَهذى وَيَسُبُّ الماكِرينا» فهذه القصيدة أوصلت رسالة شوقى الرائعة لمن عناهم دون أن يستطيع أحد أن يؤذيه، ويردف أستاذه «أن المباشرة فى النصح تضعفه وتجعله ممجوجاً بين الناس»، يرفض الشاب المتدين هذه النصائح ولكنه يعرف قيمتها بعد سنوات.

- يريد الشاب أن يحول بيته إلى سمت خاص يريده رغم أن أسرته فاضلة ترعى الله وتعرف حدوده، ولكنه لا يكتفى بذلك بل يريد أن يلزم شقيقاته بالنقاب لا الحجاب، تقبل الشقيقات وترفض الأم.

- «النقاب ليس فرضاً» ولكن الشاب لم يقرأ إلا لأولئك الذين اعتبروه فرضاً من دعاة المدرسة السلفية الجدد الذين يشددون فى هذه المسألة.

- لم يقرأ الشاب كلمة الشعراوى الرائعة عن النقاب «أنه لا يُفرض ولا يُرفض» لأن علاقته بعلماء الأزهر سطحية ولا يكاد يعرف عن علمائه القدامى والمحدثين شيئاً، ينسى الشاب كل آراء الفقهاء القدامى والمحدثين الذين يرون الفرض فى الحجاب الذى يستر الجسم ويغطيه سوى الوجه والكفين، وينسى كذلك أن «الحجاب فرض والنقاب فضل» لمن أرادته وينسى أنهما ستر ولباس للظاهر، وأن للباطن ستراً آخر كما أشارت الآية «ولباس التقوى ذلك خير» وهو أهم وأعظم من ستر الظاهر، فالإنسان مطالب بصلاح الظاهر والباطن وكلاهما يؤثر فى الآخر ويدل عليه، وإغفال أمراض القلب والباطن مثل الحسد والغل والحقد والكبر والعجب والرياء قد يدمر الإنسان أكثر من غفلته عن أمراض الظاهر، فصلاحهما مطلوب وفسادهما فى غاية الضرر، ولكن صلاح الباطن هو الأصل والأساس، ينسى أن العبد يسير إلى الله بقلبه وأن صلاح القلب هو أساس كل خير، يغفل عن هتاف النبى «صلى الله عليه وسلم»: «إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله».

- فإذا أراد هذا الشاب أن يتزوج اهتم بموضوعين هما نقاب زوجته ورغبته فى تركها للعمل إن كانت تعمل حتى تتفرغ لتربية الأولاد، مع أنه قد يحتاج لعملها إذا سُجن أو اُعتقل أو طُرد من عمله أو ضاقت به الدنيا، ولكنه ينظر إلى الدنيا من منظار اللحظة التى يعيشها والتجربة البسيطة التى مر بها.

- والغريب أن أكثر الشباب المتدين يركز كثيراً على اشتراط قبول خطيبته للنقاب بعد الزواج، وهذا التركيز قد ينسيه سلبيات خطيرة فى الزوجة لا يكتشفها إلا بعد الزواج.

- وقد استشارنى صديق فى أزمة ابنه المتدين الذى تزوج زوجة منتقبة حاصلة على مؤهل جامعى، ولكنه اكتشف بعد زواجها مدى صلفها وغرورها وكبرها مما أدى إلى الانفصال دون طلاق بعد إنجاب طفل.

فلما تحدثت إلى الزوج الشاب وجدته كما توقعت ركز كثيراً على نقابها ولم يهتم بباقى أخلاقها فـ«تزوج النقاب بديلاً عن المرأة»، وكلما تدخلت فى زواج شاب متدين أراه يركز على النقاب كشرط فأعاتبه قائلاً: كنت أنتظر منك أن تفعّل «فقه الأولويات» فتضع النقاب فى موضعه الذى وضعته الشريعة وهو «الجواز وليس الفرض» خاصة لمن كانت غير جميلة.

- وأعاتبه قائلاً: كنت أنتظر أن تركز على أخلاقها وتواضعها ورحمتها وشفقتها وبرها بوالديها وعفة لسانها ومحبتها للناس وحبها لصنع الخير، فيخجل منى قائلاً: هذا مفروغ منه ومعروف مقدماً قلت: ولكنك لم تذكره ولم تركز عليه مثلما اشترطت النقاب «فهل ستتزوج النقاب أم المرأة بأخلاقها وقيمها؟».

- إنك لا تختلف كثيراً عن الشاب غير المتدين الذى إذا أعجبه وجه فتاة جميلة تزوجها كلها، ناسياً أن جمال الوجه لا يعنى بالضرورة جمال الأخلاق وصفاء النفس وذكاء العقل، فقد تكون المرأة جميلة الوجه مع غاية الغباء وضعف الأخلاق وسلاطة اللسان، إن الحجاب أو النقاب هو جزء من صلاح الظاهر الذى يحوى أشياء كثيرة، فضلاً عن صلاح الباطن «وذروا ظاهر الإثم وباطنه».

- ولا يكتفى الشاب المتدين حديثاً بالرغبة فى نقاب زوجته بل يريد فرض النقاب على شقيقاته رغم رفض والديه للأمر، وهم الولاة الشرعيون والحقيقيون لشقيقاته.

- إن ما يدركه الآباء من موضوع النقاب أكبر مما يدركه الشاب المتحمس، خاصة فى أوقات الصراعات السياسية واشتباك الإسلاميين مع النظم الحاكمة التى «تأخذ العاطل بالباطل»، كما يقول العوام، «وتشك فى أصابع يديها» قبل أيدى الآخرين خاصة حينما يقع العنف من أى فصيل إسلامى.

- إنه ليس مسألة فريضة أو نافلة فحسب، إنه يسبب للفتاة مضايقات أمنية وحكومية يطول شرحها وبسطها، ويحول بينها وبين حقوق كثيرة وقد يجعلها فى باب المنبوذة أو المظلومة عادة فى مجتمع لا تكاد تمر فيه عشر سنوات إلا ويحدث فيه صدام كبير بين الحكومة وأحد التيارات الإسلامية، وقد يكون الصدام سياسياً بارداً أحياناً، وقد يكون عنيفاً حربياً فى أحيان أخرى، وفى كل الحالات يقع آلاف الملتحين والمنتقبات بين مطرقة هذه الجماعات وسندان الحكومات والأجهزة الأمنية التى تقدم عادة سوء الظن وتفعيل الاشتباه الزائد، فينال الكثير من الأبرياء منهم أذىً كثيراً وسجناً طويلاً دون كلمة اعتذار أو حتى ملاطفة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف