الوفد
محمود الشربينى
«العتمة» مستمرة.. بأثر رجعى!!
قبل القراءة.. رحل الدكتور زكى نجيب محمود كبير أساتذة الفلسفة المصريين منذ زمن بعيد وبقيت دعوته لـ«تجديد الفكر العربى» حية لا تموت. ويبدو أننا جميعاً سنرحل من دون تجديد الفكر ولا تجديد الخطاب الدينى الذي ظل منذ قرون -ربما تعود إلي القرن الثانى عشر زمن ابن رشد- مطلباً للمفكرين والمستنيرين وحتى رؤساء الجمهورية!
بعض المحامين الباحثين عن الشهرة، والذين يكسبون قضاياهم على طريقة الزعيم عادل إمام فى فيلم (طيور الظلام) من خلال البحث عن «ثغرات» تنسف قضايا «التلبس» وتحولها إلى مجرد قضية «فشنك».. لايزالون يجدون لأنفسهم موطئ قدم، ولايزالون يعملون بنفس الطريقة وبنفس الأسلوب الذى يحقق لهم مآربهم، فيفرقون بين الرجل وزوجته كما فعلوا مع الدكتور نصر حامد أبوزيد، ويسجنون الكتاب والإعلاميين مثلما فعلوا مع إسلام البحيرى وفاطمة ناعوت ولايزال الحبل على الجرار!
يكتب نفر من هؤلاء عريضة الدعوى على أوراق صفراء بالية، وهم يحتسون الشاى بالحليب على أي مقهى فى الشارع القضائى أو على دكة أمام مبنى أى محكمة فى شوارع مصر العتيقة، التى كانت «منورة» بأفكارها فاستحالت بفضلهم «مظلمة» و«معتمة».. بأثر رجعى!
شاى بحليب، أو قليل منه فى «الخمسينة»، مع بضع رؤوس من المعسل الحِمْىِّ، بعدها يبدأ تدبيج القضية وحبكها حبكاً نحمد الله أنه ينتهى بالسجن وليس إلى حبل المشنقة.. يخرج بعدها الكاتب مهاجراً ويعيش بقية حياته مقهوراً مغترباً، يكرمه الآخرون ويفرشون له السجاد الأحمر، أما فى وطنه.. فـ«السراية الصفرا» بانتظاره، إذا فكر مجرد تفكير، فى أن «يُهَوِّب» ناحية مطار القاهرة الدولى ولو زائراً أو سائحاً!
ما جريمة هؤلاء؟ جريمتهم أن هذا النفر من المحامين يدعون أنهم من ضمن وكلاء الله على الأرض، الذين أصبحوا ظاهرة فى هذا الزمان، من توكيل طالبان إلى القاعدة وداعش والإخوان! فيحققون بعض الذيوع والانتشار والشهرة فى أوساط البسطاء، بترديد أسمائهم فى الصحف، وإن كانت صحفاً صفراء، وبالمتاجرة بما حققوه -من سجن للكتاب أو تفريق بين المفكرين وزوجاتهم- فى أوساط الدهماء والبسطاء والعامة.. يتعيشون ويتكسبون وتسير مراكب أرزاقهم، طافيةً فوق جثث كل من يخالف أفكار المجتمع السائدة، التى يلبسونها ثياب القداسة من دون تبصر أو تفكر!
تناول ابن رشد قضايا الفكر الدينى فى حياته وعلاقة الدين بالفلسفة، فكانت النتيجة نفى الخليفة له وإحراق كتبه، أما فى عصر مبارك (اللامبارك) فقام بالمهمة محامون وأئمة أشهرهم يوسف البدرى.. والمعروف عنه إقامة الكثير من الدعاوى القضائية ضد كتاب مصريين، منهم عبدالمعطي حجازي، جمال الغيطانى، والناقد جابر عصفور.
أما المستشار صميدة عبدالصمد، فالتقط طرف خيط تقرير جامعى أشرف عليه الدكتور عبدالصبور شاهين يتهم المفكر الراحل نصر أبوزيد بالردة ورفع أمام القضاء دعوى «حسبة» طالباً إدانته! وفيما بعد تنصل الدكتور عبدالصبور من دعوى الحسبة التى بنيت على تقريره وفرقت بين الرجل وزوجته! أي بعد خراب مالطة!!
أما محمد عبدالسلام عصران فقد أقام دعوى ضد إسلام إبراهيم بحيرى اتهمه فيها بازدراء الأديان، وحكمت المحكمة بحبس «البحيرى» عاماً!
بنفس التهمه (الازدراء) أيضاً سجنت المحكمة الكاتبة فاطمة ناعوت ثلاث سنوات وغرمتها 20 ألفاً من الجنيهات، بعد تعرضها لشعيرة الذبح فى عيد الأضحى ووصفها لحلم (يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك) بأنه كابوس!
أذكر إننى هاجمت «ناعوت» بقسوة عندما كتبت ما كتبت، لكن بالطبع أنا لم أذهب إلى «الغرزة» أو إلى «القهوة» لأقدم عريضة دعوى لسجن ناعوت، لكنى طالبت الأزهر الشريف بأن يتحمل مسئولياته ويتقدم لاستعادة دوره الذى أضاعه كسر مبارك لأجنحة أفكاره وتدجينه و«تثليجه» بحيث لا يخرج من الفريزر إلا عند «الوليمة».. سواء كانت «الوليمة لأعشاب البحر»، التى أهاجت بحار المتأسلمين والمتطرفين عندما صرح لمؤلفها حيدر حيدر بعرضها فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، أو كانت الوليمة «حفلة» ردح تقام على شرف مفكر يراد لصوته أن يسكت إلى الأبد!
دعوة الرئيس السيسي إلى تجديد الخطاب الدينى لم يتلقفها الأزهر ولم يفعل شيئاً بشأنها وكنت أحسبه سيستعيد دوره ويوجه باحثيه إلى إعداد رسائل علمية فى نقد الخطاب الدينى المعاصر وحل إشكاليات التطرف التى تحاصرنا إلى حد الفتك بنا! لم يتم عقد سيمنار واحد أو ندوة علمية أو حلقة نقاشية فى الأزهر «المحاصر» من كل ناحية!! من مخاوف علمائه أن تنفجر بوجوههم طاقة جهنم فلا تغلق أبداً.. إلى تشهير «الجماعة الإرهابية» به وبالكنيسة، لكسر جانب فى شرعية يونية!
بعدما قرأتم:
أُسْتُنْفِىَّ أبوزيد وغُرِمَ الشاعر حجازي، والناقد عصفور، وسجن البحيرى وناعوت، بسبب آراء قالوها فى الدين والتراث.. آراء وأفكار.. كيف يتجاهل الأزهر العريق أنها مجرد أفكار، ويدعو علماءه لمناظرة الكتاب والمفكرين؟ لماذا لا يستطيع الأزهريون مواجهة الرأى بالرأى والفكرة بالفكرة والحجة بالحجة؟ هل يفضلونها «معتمة»؟ لماذا يحبذون إسكاتنا بدلاً من تنويرنا؟ لماذا يريدون أن يقبروا أفكارنا بدلاً من إحياء علوم ديننا؟ لماذا يرهبوننا ويسجنوننا بدلاً من محاورتنا؟ لماذا يرهبوننا؟ حسناً.. ليسكتونا؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف