الأهرام
أنور عبد اللطيف
لا سياسة فى «إسلام جاويش».. ولا دين فى « إسلام بحيرى» !
التف الصحفيون حول الرئيس وعاتبوه لأنه يخص «الصحفى الأوحد» بالأخبار المهمة دون غيره لينفرد بها فتخرج صحيفته فى اليوم التالى للمؤتمر بانفرادات متميزة، بينما صحفهم تصدر بنسخ مكررة وفتات لما تريده وكالات الأنباء الغربية، ضحك الرئيس وقال: إن هذه حجة البليد فالعكس تماما هو الصحيح، فـ «الصحفى الأوحد» هو الذى يزودنى بالأخبار ويوقظنى أحيانا من النوم ليبلغنى نبأ عاجلا حملته وكالات الأنباء، كما أسمع رؤيته للأحداث وتداعياتها، كان ذلك عام 1955 وكان الرئيس هو جمال عبد الناصر والصحفى الأوحد بالطبع هو محمد حسنين هيكل حين كانت الصحافة تتربع على عرش صناعة معلومات الساسة وبعدها بعشر سنوات قال الرئيس الفرنسى شارل ديجول: أعطونى التليفزيون أمتلك الشعب الفرنسى، وبعده بنحو خمسين عاما تم توقيف إسلام جاويش ـ بعد إسلام بحيرى ـ لنشره رسما كاريكاتوريا على صفحته بالفيسبوك فتركت عشرات الصفحات الصفراء رفع أسعار بعض السلع الاستفزازية وقصور الأداء الحكومى والخناقات داخل البرلمان وانطلقت مئات التعليقات والحملات تسأل: من هو إسلام جاويش؟ ووصفها البعض بـ«المهزلة» وبحث آخرون عن رسومه وطالبوا بالإفراج عن رسام مغمور، وتسابقت المواقع فى التعليق على تفاصيل التحقيقات مع الرسام المغمور الذى كان متهما بانشاء موقع بدون ترخيص، وتنفى النيابة أى شبهة سياسية أو اتهامه باهانة النظام والرئيس وتقرر حجزه 24 ساعة فقط على ذمة التحريات.. حتى أخلى سبيله أمس.

جسدت هذه الصورة تطور العلاقة بين الاعلام والسياسة على مدى ستين سنة. منذ أن تربعت الصحافة على عقل الرأى العام وعقول السياسيين ثم ظهر التليفزيون ثم تربعت الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية فوق أسطح المنازل فى الريف والبنادر، واليوم ظهرت حمى المواقع الالكترونية، فى نفس الوقت الذى عمت فيه الفوضى شوارع «صاحبة الجلالة» بعد أن طلب الرئيس تنظيم البيت الإعلامى من الداخل وسرعة الانتهاء من قانون الكيانات الإعلامية فيواجه بثلاث جهات تتبارى فى تقديم مشروعات قوانين وتتبارى فى تقييد الحريات وإرباك الأولويات وعلاقات العمل والاختصاصات داخل المؤسسات الصحفية والاعلامية وتتبارى فى تقديم فروض الولاء والطاعة لإرضاء رغبات أجنحة بعينها أكثر من الحرص على الجلوس فيما بينها للاتفاق على كلمة سواء ومشروع موحد لقانون يحقق العلاقة المحترمة بين الصحافة والسياسة فى ظل التكنولوجيا الحديثة والمتجددة.

أقول هذا بمناسبتين، الأولى: مرور أسبوع على الحكم بحبس اسلام بحيرى ـ قبل إسلام جاويش ـ الذى راح ضحية سوء الفهم بين الصحافة والسياسة والفهم المتسرع ـ الخالى من الدين ـ لمعنى الحاح الرئيس بإحداث ثورة فى تجديد الخطاب الدينى الذى لا يعنى بأى حال الفوضى أو التطاول على ثوابت الدين وازدراء الأديان، وأما المناسبة الثانية فهى صدور كتاب الأستاذ ضياء الحاجرى عن العلاقة بين «السياسة والتكنولوجيا» وهو يكشف حقائق عن خلفيات أحداث٢٥ يناير ويدق جرس إنذار عن تأثير تكنولوجيا المعلومات على عقول الناس فى المرحلة القادمة.

ويؤكد أن ثورة ٢٥ يناير لم تكن ثورة عاطلين بقدر ما كانت ثورة فى انتشار أخبار الاحتجاجات عبر وسائل التواصل الاجتماعى، والتى استغلتها الحركات المعارضة فى الداخل والخارج من خلال صفحات عدد من المدونين والنشطاء ينتمون لـ «٦ أبريل» وكفاية والجبهة الوطنية للتغيير التى تجاوز تأثيرها قدرة الحزب الوطنى الديموقراطى وكل الأحزاب السياسية «الكرتونية» على المواجهة بل وبدت كديناصورات ضخمة فى طريقها للانقراض!

كما يتنبأ ضياء الحاجرى بضعف تدفق الناخبين على مراكز الاقتراع فى المستقبل بعد أن أخذوا ينظرون بعين الشك إلى السياسيين والأحزاب فى اللعبة الانتخابية بكاملها والتى يلعب التمويل والأسلوب الدعائى فيها دورا كبيرا. وبالإضافة إلى دور مواقع التواصل الاجتماعى فى التشكيك فى الكيانات السياسية، وفعالية النقابات العمالية والمهنية، ويشير المؤلف إلى أن المواطنين لم يفقدوا الثقة بعد فى القيم الديموقراطية، ولكن فى الوسائل التقليدية لتحقيقها، ويحذر من خطورة أن تلعب المواقع الالكترونية الدور الغائب فى التواصل بين المواطنين ودولهم. وهى قيم عصر العولمة، التى تسعى لتكريس هذا الانقسام وإعادة تشكيل المناخ العام فى الدول المستهدفة بعد أن أثبتت هذه المواقع نجاحها فى إحداث شروخ داخل الدول الرأسمالية ذاتها بحيث لم تعد توحدها قضايا مشتركة أو تتجمع حول أحزاب بذاتها!

وفى قراءة واعية للأحداث والتطورات العالمية وخطورة تأثير تكنولوجيا المعلومات فى تشكيل الرأى العام، يؤكد المؤلف أنها صارت محور حياة إنسان وشباب اليوم وجعلته عبدا لها، لا يستطيع الاستغناء عما توفره له من منتجات ، بل وتتخذ نيابة عنه القرارات، ومكنت دولا من احتلال شعوب أخرى عسكريا واقتصاديا، وهزت ثقة شعوب فى نفسها، كما حرضت على الثورات العشوائية دون تقديم خطة بديلة للمستقبل!

وهكذا تصل خطورة تأثير هذه الثورة التكنولوجية فى تعريف معنى كلمة «إنسان» فبعد أن كان معناها أنه «حيوان يفكر» أو «حيوان له تاريخ وصاحب قرار».. صار تعريفه الجديد أنه حيوان تكنولوجى ليس له وطن ويتخذ قراراته بالريموت كنترول!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف