محمد جبريل
ع البحري - درس شمشمون ودليلة
تبديل مؤشر التليفزيون اعادني الي الطفولة. أدركت ان الفيلم الذي مضي وقت علي بداية عرضه هو "شمشمون ودليلة". كر السنوات لم يشحب بشخصية شمشمون التي أداها الممثل الأمريكي فيكتور ماتيور. ولا شخصية دليلة في أداء فاتنة السينما آنذاك مورين أوهارا. شكل الإعجاب بالفيلم. ببطولة شمشمون الذي هدم المعبد علي نفسه. وعلي أعدائه. رأياً عاماً. عكست الصحف وتعبيراتنا الشفهية ما يجعل شمشمون مثلاً للقوة الجسدية الخارقة. وامتد تأثير الفيلم إلي السينما المصرية في فيلم من بطولة محمود شكوكو وسراج منير. تبدلت التسمية. لكن التسمية الأولي هي "شمشمون ولبلب"!
تابعت ما تبقي من أحداث الفيلم بحنين الطفولة. أغوت دليلة شمشمون بجمالها حتي باح بسر قوته. وجزت شعر رأسه الذي يحمل سر القوة بسكين. انتقاماً من حبه لفتاة فلسطينية. قبل أن تسلمه إلي فلسطيني غزة. عذبوه. وأفقدوه بصره. واجتمع العرب من أبناء فلسطين داخل معبدهم ليشهدوا مقتله.. لكن الصحوة التي أيقظت ضمير دليلة. أو حبها. دفعتها إلي تلبية طلبه بأن يقف بين عمودين في المعبد الذي احتشد فيه الفلسطينيون. ويزيح العمودين من مكانهما بقوة شعره التي استعادها. فينهار المعبد علي من فيه.
الرأي بأن أحداث الفيلم تنطلق من الأسطورة. أو أنها قبل فجر الإسلام. لا يلغي محاولة نسبة فلسطين الي اليهود. تجد في الفترة القصيرة - نسبياً - لبني إسرائيل في فلسطين. بالقياس إلي الأصول العربية المتجذرة في أرض فلسطين. وامتداداتها. ما يثبت الزعم الصهيوني بحق العبرانيين في أرض فلسطين. يذكرنا برواية ستيفان زفايج "إرميا" التي جعلت لليهود حقاً أصلاً في الأرض العربية. ووجدت من يحتفي بها بين مثقفينا - للأسف - لمجرد الفنية المتفوقة التي عبر بها زفايج عن رؤيته. وهو ما يغيب عن الفيلم الذي يعاني - بالاضافة الي العبث التاريخي - سذاجة فنية واضحة. لم يفلح إبهار الألوان ولا الأداء الخطابي في إخفائها.
الدروس المستفادة تعبير يلح علي أذهاننا في العقود الأخيرة. ظني ان المعني يجب ان ينعكس في تفكيرنا وتصرفاتنا. لا نسلم أدمغتنا إلي الميديا الصهيونية. تغسلها بأساطير بالية وترهات وأكاذيب. صداها يتجاوز الانفعال العاطفي إلي تصديق الخرافة. وإلي ما يشبه اليقين أن نسج الخيال حقيقة.
أقدم نصيحتي إلي السادة المسئولين عن القناة الفضائية الخاصة. الذين لم يحاولوا الإفادة من أكاذيب الدعاوي الصهيونية. فعرضوا فيلماً كان ينبغي - ما دامت وجدت فيه ما يستحق العرض - أن تعرضه في سياق برنامج. يوضح الأغراض المستترة وراء إنتاج الفيلم. ويكشفها. أما العرض بلا تعليق يسبقه. أو يلحقه. فهو تصرف يغيب عنه الوعي.
ولا أزيد!