مع كل أزمة يخرج البعض ويطالب بوضع ميثاق شرف للإعلام، والسؤال: هل للإعلام شرف؟، ما هو تعريفه وأهم ملامحه؟، وهل هذا الشرف يحتاج إلى ميثاق؟، وما الفرق بين الميثاق والقانون؟، هل ستزدوج العقوبة؟، هل القانون سيطبق من خلال المحاكم والنقابة وينفذ الميثاق المجلس الأعلى للإعلام أو المجالس الوطنية المتخصصة؟، هل النقابات ستكون صاحبة توقيع العقوبات ككل (ميثاق وقانون) على المحررين والإعلاميين؟، ما هى المخالفات التى ينظرها الميثاق والتى يشملها القانون؟، هل المخالفات التى تخدش أو تنتهك شرف الإعلام ستخضع للميثاق، والجرائم سيطبق عليها القانون؟، هل الإعلام المصرى فى حاجة لميثاق أم لقانون أم للميثاق والقانون معاً؟
فى الدستور وقانون العقوبات بعض المواد التى تتصدى لبعض التجاوزات، مثل القذف والسب، والتحريض على الفتنة والعنف، ونشر وثائق تضر بالأمن القومي، وغيرها من القضايا التي جرمها الدستور والقانون، والعقوبة هنا لا تقع على المواد المنشورة في الصحف فقط بل تشمل جميع وسائل الإعلام والنشر، سواء المسموعة أو المرئية أو الانترنت أو الندوات أو الكتب أو الأفلام والمسرحيات، وهنا كانت أهمية الاستفسار عن ازدواجية المساءلة والعقوبات التي يفرضها القانون وميثاق الشرف.
قبل مناقشة مشكلة ازدواجية العقوبات ننبه إلى أن الإعلام المصري، خاصة الإعلام الخاص، يعانى من مشاكل جد خطيرة، والبديهي أن نناقشها ونضع حلولاً لها قبل أن نفكر فى ميثاق شرف يتحكم فى الرسالة الإعلامية، من هذه المشاكل علاقة مالك القناة بالرسالة الإعلامية للقناة، فأغلب الملاك يفرضون أجندتهم السياسية والاقتصادية والأدبية على هذه الرسالة، وأغلب الظن أنهم سعوا إلى إطلاق هذه القنوات ليس بهدف البيزنس أو خدمة الوطن، بل كان الهدف الأساسي منها التخديم على مصالحهم السياسية والاقتصادية والأدبية، سواء كانت هذه القنوات اجتماعية أو خبرية أو دينية، لذا يجب فض الاشتباك بين المالك والرسالة الإعلامية بقدر ما، صحيح لا يمكن الفصل بينهما بشكل كامل، لكن كما قلنا بالقدر الذي يتناسب والأمن القومي للمواطن وللوطن، مثلها مثل الصحف الحزبية والمستقلة، تعبر عن أيديولوجية الحزب أو المالك فى الإطار الذي يخدم الصالح العام.
من المشاكل الخطيرة كذلك التي يعانى منها الإعلام الخاص، خلط الأدوار والوظائف فى ذهنية الإعلامي، حيث يعيش الإعلامي دور المذيع والبطل والناقد والزعيم والمثقف أو المسئول والمحرض والقاضي وصانع القرار، وينسى دائماً أنه مثل الصحفي مجرد أداة (نقل، وتفسير، وتوضيح، ومناقشة) وليس خطيباً أو قاضياً أو زعيماً.
المشكلة الثالثة في الإعلام الخاص، انه أصبح في معظمه أداة حكومية، أو أداة تروج للخطاب الحكومي وليس نافذة محايدة أو مستقلة، فالمتابع للقنوات الخاصة يعلم جيداً أن ملاك القنوات ومذيعيها يصطفون خلف النظام ويخوضون معاركه، حتى أن القنوات التابعة للحكومة أصبحت أكثر استقلالية وعدم تباعية من قنوات رجال الأعمال، ناهيك عن الشللية والنفاق الواضح للنظام الحاكم، سواء من المذيعين أو من مجموعة الضيوف الذين يتناوبون القنوات صباحاً ومساء.
رغم اتفاق أغلب الإعلاميين والمحللين على هذه السلبيات، إلا أن مشاريع القوانين المطروحة لضبط الصحافة والإعلام لم تعالج هذه السلبيات أو تضع حلولا لها، لهذا نعود ونكرر: ما الهدف من إعداد ميثاق شرف للإعلام المرئي والمسموع؟، هل لضبط الانفلات والسيولة الإعلامية التي تسيطر على الأقمار الصناعية؟، هل لكى تمنح الحكومة المواطن أداة للحصول على حقوقه التي قد تنتهك فى الفضائيات؟، هل تسعى الحكومة لإعداد ميثاق الشرف لتقييد حرية التعبير والتضييق على المعارضة؟، هل للفصل بين أجندة المالك والرسالة الإعلامية؟، هل لإعادة الاعلامى إلى حجمه الطبيعى بعيدا عن ثوب البطولة والثائر والزعيم والمفكر؟، والسؤال الأكثر أهمية ويجب ألا نتجاهله، هو: ما هو الشرف الإعلامي الذي يسعون لوضع ميثاق له؟، هل من تعريف محدد لهذا الشرف؟، هل من ملامح للشرف الاعلامى يمكن معها محاسبة من يخدشه أو ينتهكه أو يغتصبه؟
أظن أننا مطالبون بداية بأن نتفق على وضع تعريف منضبط للشرف الإعلامي، نوضح فيه علاقة الشرف بالحريات (التعبير والاعتقاد)، وعلاقته بالنظام الحاكم وبصياغة الرأي العام، وعلاقته بأمن المواطن والوطن، بعد ذلك يمكن لنا أن نفكر في وضع ميثاق لهذا الشرف، نعاقب به من يخدش أو يتحرش أو ينتهك أو يغتصب الإعلام.