عباس الطرابيلى
هموم مصرية -المسلسلات.. مورفين المتخلفين!
ابتدع الاستعمار المسلسلات الاذاعية والسينمائية لتصبح هي المخدرات التي تغيب العقول وتجعلها تسبح في الخيال.. ومنها عرفنا مسلسلات طرزان وفوماتشو الجبار وغيرهما..
وعرفت مصر المسلسلات الاذاعية ـ قبل عصر التليفزيون ـ ومن أشهرها مسلسل سمارة، تلك الزهرة البرية التي نشأت وترعرعت... الخ.. وعرفنا مسلسل ألف ليلة وليلة الاذاعي، ولكن في شهور رمضان.. وكانت امتدادا لفني الرواية القديم والحكايات الشعبية من عنترة بن شداد إلي أبو زيد الهلالي سلامة والظاهر بيبرس وغيرها.. وكانت تشد المستمعين إلي المقاهي الشعبية..
<< ثم ـ في عصر التليفزيون ـ عرفنا التمثيليات ولكنه كانت من حلقة واحدة.. ثم أصبحت عبارة عن مسلسل سباعي أي من 7 حلقات. ثم مع استحسان المشاهدين صارت 13 حلقة إلي أن وصلنا إلي 30 حلقة للمسلسل الواحد وسر عددها الثلاثين هو ارتباطها بعدد أيام شهر رمضان.. وكانت تمتد أحياناً إلي 33 حلقة أي إلي نهاية اجازة عيد الفطر..
ولكن زاد وباء المسلسلات.. فدخلنا عصر الأجزاء التي وصلت إلي 5 أجزاء وسوف تزيد في المستقبل.. ومن أشهر بدايات المسلسلات المصرية الشهد والدموع والمال والبنون ودموع في عيون وقحة والطاير.. وياسلام علي «أنا البرادعي» الممثل وليس البرادعي السياسي وان كان كلهم ممثلين!!. وهكذا وجدنا أجزاء ليالي الحلمية. ورأفت الهجان.. تماماً كما عرفنا أيام الأبيض والأسود مسلسلات وأجزاء الساقية وإبداعات عبدالمنعم الصاوي. ثم في العصر الوسيط عرفنا مسلسلات وأجزاء «الوسية» وياسلام علي الطواف.
<< وقد نقلنا مورفين المسلسلات إلي الأشقاء العرب الذين عاشوا معنا وأنشأوا ستوديوهات رائعة لإنتاجها في دبي وفي عجمان حتي سوسة في تونس.. أما الأفلام، فقد انتقلت إلي بيروت بالذات منذ نكسة 1967!!. وحتي بعد أن استعادت مصر نفسها فنياً وجدنا مسلسلات شدت المشاهدين وبالذات مثل مسلسلات لن أعيش في جلباب أبي والعطار والسبع بنات والحاج متولي..
والتصق الناس بشاشات التليفزيون.. بعد أن كانوا قد ارتبطوا بأجهزة الراديو وبالذات مسلسلات ما قبل الخامسة عصراً أو بعدها.. في عصر سيادة الاذاعة.. وبعد ظهور التليفزيون زاد التصاق المصريين بالشاشات ولم يكونوا ينامون إلا بعد أن يشاهدوا المسلسل.. ولا يحلو السهر والتسالي من لب وسوداني وتمر وأبو فروة أو البطاطة، إلا مع هذه المسلسلات واستطاعت الشاشة الصغيرة شد انتباه الناس. بل أصبحت هذه المسلسلات هي الاداة الأولي لتجميع كل أفراد الأسرة.. وعرفت مصر «عودة» المصري إلي البيت.. ليتابع حلقات المسلسل.. وكأن من لم يشاهد الحلقة سيفقد نصف عمره.. خصوصاً وأن التليفزيون لم يكن قد عرف بعد فكرة اعادة اذاعة الحلقات في ساعات أخري..
<< وتحولت المسلسلات إلي أفيون الشعوب.. ربما من أيام المسلسلات الأمريكية الشهيرة التي يتعدي عدد حلقاتها المئات.. وهل ننسي حلقات هوليوود.. «الجميل... و...» وبسبب نجاح المسلسلات متعددة الحلقات والأجزاء دخلت الهند ثم تركيا هذه اللعبة.. وإذا كان الفيلم الهندي يمتد لثلاث ساعات ـ وما أبدعهم هنا في فن وعلم إضاعة الوقت ـ فان المسلسلات الهندية تمتد إلي مئات الحلقات وكان تنوع طبيعة أرض وبلاد الهند قد ساعد علي الإبهار الهندي.. فان المسلسلات التركية تفوقت خصوصاً مع الترجمة للعربية.. وأخيرا مع «الدبلجة» وبرع فيها اللبنانيون والسوريون ـ قبل جريمة الحرب الأهلية هناك.. إذ قدموا هذه المسلسلات التركية باللهجة الشامية، أي السورية واللبنانية وأحياناً الأردنية.. وهل ننسي هنا الإبهار الذي عاشه العرب ـ كلهم ـ مع مسلسل حريم السلطان الذي تجاوزت حلقاته الخمسة أجزاء.. حتي الآن وهو يعتمد علي الإبهار المكاني ـ بالمواقع والأماكن ـ والإبهار الجمالي الذي يتوفر بين الجمال التركي الذي يعشقه كل العرب. ومن خلال هذه المسلسلات التركية استعادت تركيا كثيراً من وجودها الذي كان قد ولي..
وكأن كل المصريين يحنون إلي أيام السطوة التركية علي بلادنا هم وكل بلاد الشام والعراق..
<< حقاً من قال ان المخدرات تكمن فقط في الحشيش والبانجو والهيروين والكوكايين.. أليست أيضاً تكمن في هذه.. المسلسلات.. أم أن القط يحن.. لخناقه؟! المسلسلات إذن هي الأفيون الأكثر شهرة!!.