آخر ساعة
محمد عبد الحافظ
ب٫٫حريه .. القاضــــي.. والوزيــــــــــــــــــــــــر
قرأت نص استقالة المستشار محمد السحيمي قاضي محكمة قنا التي قدمها لمجلس القضاء الأعلي، وبهرني تمكنه من اللغة العربية، واستخدامه لألفاظ ومفردات عكست ما يشكو به من قهر وقع عليه ــــ كما كتب ــــ من وزير العدل واضطراره لتقديم هذه الاستقالة لأنه لم يحتمل ما وقع عليه من ظلم تمثّل في تخطي ترقيته، ونقله لقنا، وتحميله بمئات القضايا التي تفوق طاقة أي قاضٍ.

وعلي قدر استمتاعي بقراءة الاستقالة كان ألمي أن يتعرض «قاض» لظلم من أي شخص أيا كان وزيرا أو رئيس وزراء، فلايمكن أن تستقيم أمور بلد لايُقام فيه العدل علي الجميع.
وظني أن الأزمة بين القاضي والوزير تخطت حدود الشخصين لتصبح أزمة المجتمع كله، الذي من حقه أن يعرف الحقيقة كاملة دون حذف أو إضافة أو تعديل أو تجميل أو انحياز لأي من الطرفين، وهذه طبعا في المقام الأول مهمة مجلس القضاء الأعلي الذي يضم خيرة قضاة مصر ويرأسهم قاضي القضاة.
ومن حق الشعب أن يعرف إذا كان القاضي قد تعرض فعلا لظلم تقطر به كلمات استقالته، أم أن وزير العدل أحمد الزند مظلوم. وهذا يتطلب تحقيقا عاجلا وفوريا وإعلان نتائجه بالتفصيل علي الرأي العام.
أعلم أن القاضي السحيمي لم يقدم ما تقدم به كشكوي أو مظلمة وأنها استقالة، ولكني علي يقين أن المجلس الأعلي للقضاء أعضاءً ورئيسا سيتجاوزون عن عنوان الطلب ـ الاستقالة ـ وسيستغرقون فيما جاء في الطلب من أسباب، لأنهم هم حاملو راية العدل في مصر، وسيحققون في الموضوع من منطلق أنه إرساء للعدل بغض النظر عن أطراف الموضوع ـ قاضٍ ووزير.
وفي حالة أن يكون القاضي متجنيا علي الوزير فسيبرئ المجلس ساحته ويضع حدا للقيل والقال، ومايتردد من أن الوزير يتدخل بصورة غير مباشرة في أعمال القضاء، حتي وإن لم يكن يتدخل في القضايا، ويقبل المجلس الاستقالة فورا، بالإضافة إلي معاقبة هذا القاضي لأنه كذب، ليكون عبرة لكل من يتهم الآخرين زورا، ويُعلن ذلك للرأي العام حتي نتجنب تكرار ما حدث.
أما في حالة صدق ما كتبه القاضي في الاستقالة فعلي المجلس رفض الاستقالة، وتوجيه اللوم للوزير، والتوصية بعزله من منصبه، وإرسال هذه التوصية إلي مجلس الوزراء، فوزارة العدل ليست كأي وزارة، فالعدل هو ضمير الأمة.
ولا أعتقد أن هذه القضية تعتبر شأنا داخليا من شئون القضاء، فطالما علم بها الرأي العام، فلابد من معالجتها وطرحها أيضا علي الرأي العام.
إذا لم يتم الأمر بهذه الصورة، فإن الانطباع الذي سيصل إلي الشعب أن هناك خللا في منظومة العدل، وسيكون لسان حال الجميع: مادام قاضٍ قد طاله ظلم، فما بالنا بمواطن بسيط غلبان.. وهذا شعور قاتل يبدد الأمل في الحياة والعيشة وينسف الانتماء والتمسك بالوطن، فلا حياة بخوف وظلم، وما أعظمها بأمن وعدل.
< < <
ومع أنني كنت أوجه حديثي لمجلس القضاء الأعلي، فإنني ألوم وزير العدل الذي كان ـ قبل توليه الوزارة - رئيسا لنادي القضاة، وعلي صلة وطيدة بكل القضاة، لأنه لم يتواصل مع القاضي السحيمي ويتعرف علي مظلمته ويعمل علي حلها قبل أن تصل الأمور إلي سجال واستقالات تنشر علي الرأي العام، وليتذكر الوزير أن الرأي العام هو من أقال الوزير السابق الذي كان يجلس علي مقعده، لأنه صرح تصريحا به نبرة تمييز وتعالٍ علي فئة من فئات الشعب، فالرأي العام الآن أصبح له سلطة وقوة تفوق قوة السلاح وفي بعض الأحيان ـ للأسف ـ تتجاوز سلطة القانون.
وتنفرد هذه الحكومة بكثرة التصريحات غير المفيدة، التي من شأنها إثارة الرأي العام، ووزير العدل يحصل علي أكبر نسبة جدل في تصريحاته، رغم أننا اعتدنا أن وزير العدل هو الأقل تصريحا في كل الحكومات السابقة، لأن وزارة العدل ليست وزارة سياسية، ولا يجب أن تكون.
< < <
أنا علي قناعة وثقة في مصداقية وعدالة القرار الذي سيتخذه مجلس القضاء الأعلي بشأن استقالة السحيمي، والإسراع في اتخاذ هذا القرار سيكون من شأنه تهدئة الرأي العام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف