المساء
نبيل فكرى
مساء الأمل .. "حرف جر"
كل حروف الجر لاتكفي.. رغم انها من حروف المعاني. غير ان الكثير من كلامنا هذه الأيام تحول إلي حروف لـ "جر الشكل" أو لاستجداء العطف.. هناك شئ تغير.. كل منا علي حدة يبدو طيباً.. يحمل ألماً أو أملاً. لكننا حين نجتمع معاً وعلي عكس حروف الجر. نفقد المعني أو نصبح أسوأ.. نحن من نفجر فينا أسوأ ما فينا.
منذ يومين. وفي تاكسي. اندهشت لأن السائق يستمع إلي "الست" رغم جلبة الشارع والناس والزبائن. لكنه كان صامتاً يسمعها وكأن ذلك يحدث للمرة الأولي. وربما كان يدندن معها "رجعوني عنيك لأيامي اللي راحوا".. لم يكن الوضع أبداً يليق بتاكسي في وقت الظهيرة. لكن ما ان سألت الرجل عن سر ذلك. حتي تقاذفت حروف الجر. لم تكن لـ "جر الشكل" ولا للاستعطاف. لكنها كانت ألماً هادراً كالشلال.. بدأ الرجل وكأن "الست أم كلثوم" هي مسكن لجأ إليه.. ليقاوم أو لينسي بالطبع تختلف "المسكنات" لكن الشاهد ان الناس غالباً علي وشك "الفوران".. حتي أنا في البيت أجدني في أوقات كثيرة "لا أعرفني".. فقدت الكثير من هدوئي وقدرتي علي الصبر.. جولة واحدة بالشارع قد تفعل ذلك.. انجاز أمر في "مصلحة" سبب مهم.. حكايات وأخبار المفسدين تترك داخلك "لغما" قابلاً للانفجار في أي لحظة.
سائق التاكسي وسط ثورته المثالية والمؤدبة ذكر كثيراً من ذلك.. هو ينكر ان يحظي البلطجية "والمطبلاتية" و "الحرامية" بما لايحظي به القانعون الحامدون الشاكرون.. هو يريد من الهيئات والجهات ان تضيق علي أولئك لا عليه.. هو- ولديه الكثير من الحق- يري ان السعي علي العيش بشرف هذه الايام يستحق المساندة.. يري ان الشرفاء أياً كانت أوزانهم وأعمالهم وأحوالهم يستحقون منا ان نحتفل بهم وألا نسد أمامهم أبواب الامل.
الرجل في معرض كلامه غير المرتب.. تحدث عن ثورتين. وتحدث بحنين عما قبلهما.. لكنه بدا في معرض التقييم للمرحلتين تائهاً. وكان مرد ذلك انه بالفعل تائه.. مشتت بين البيت وبين التاكسي. وقد علل ان من بين أسباب استماعه لـ "الست" انه لم يعد لديه وقت لسماعها في البيت. فهو يعود لينام ويصحوا ليعمل.
لم نبتعد عن حروف الجر. فالحرف بعض كلمة وكثير من كلامنا إما "للجر" أو لم يعد مفهوماً. والمفهوم منه قد لا يشكل أحياناً جملاً مفيدة.. باختصار نحن نتكلم لكننا لانستمع.. نثرثر وندعي. وربما الصامتون المثابرون أجدي منا بكثير.
ما قبل الصباح
حروف الجر تعبر بالكلمات إلي معان مكتملة.. كثير من كلامنا يشوه المعاني.. الآن لا أدري ماذا جرت علي حروفي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف