هناك سجال جاد وحاد بين المستشار أحمد الزند. وزير العدل ومجلس الدولة بشأن التعديلات المقترحة علي قانون الإجراءات الجنائية لجعل الاستماع إلي الشهود جوازياً لمحكمة الموضوع.. بمعني أنه يجوز للقاضي إن شاء استمع إلي شهادة الشهود. وإن شاء أسقطها.. وهو سجال لم يأخذ حقه من الاهتمام رغم أنه جدير بالنظر والمتابعة. لخطورة القضية التي يدور حولها.
وكانت الحكومة قد أعدت مشروع قانون بالتعديلات الجديدة دون أن تعرضه علي قسم التشريع بمجلس الدولة الذي اعترض عليه باعتباره صاحب الاختصاص الأول في إعداد ومراجعة هذه المشروعات.. وقد أثار الاعتراض غضب المستشار الزند. الذي عبَّر عن هذا الغضب في حواره مع الإعلامي أحمد موسي بقناة "صدي البلد". حيث انتقد بحدة اعتراض قسم التشريع علي مشروع التعديلات. معتبراً أنه يعطل إنجاز المحاكمات.. ومتهماً إياه بترقيع القوانين.
وجاء الرد علي تصريحات الوزير الغاضبة في بيان شديد اللهجة. أصدره مجلس الدولة يرفض فيه انتقادات المستشار الزند. واتهامه لقسم التشريع التابع له.. واعتبار هذه الاتهامات إهانة للسلطة القضائية بكاملها.
وطبقاً للبيان الذي نشرت صحيفة "الأخبار" مقتطفات منه في عدد أمس الأول "الثلاثاء" فإن مجلس الدولة أكد علي أن قسم التشريع لا يجري مراجعة الصياغة لمشروعات القوانين فحسب.. وإنما يمتد اختصاصه لإجراء مراجعة مشروعات القوانين علي ضوء أحكام الدستور والقوانين ذات الصلة قبل مرحلة ضبط الصياغة.. وأضاف البيان أنه لا يجوز التعجيل باستصدار نص قانوني تحيط به شُبهات جدية بعدم الدستورية. إذا كان بالإمكان تجنب تلك الشُبهات برد النصوص محل المراجعة إلي دائرة الشرعية الدستورية.. وهي ضمانة مستحدثة اختص الدستور ومجلس الدولة بتحقيقها.
واعتبر البيان أن تصريحات الوزير وتعليقه علي ملاحظات قسم التشريع علي مشروع القانون يعد تدخلاً غير مبرر في أعمال إحدي الجهات القضائية بما ينال من استقلالها المصون دستورياً.. علي الرغم من أن التصريحات صدرت ممن يفترض أنه الأحرص علي صيانة استقلال الجهات والهيئات القضائية.
وأكد مجلس الدولة في بيانه أن تصريحات الوزير أغفلت الواقع الثابت بمكاتبات قسم التشريع الذي رفض بوجه قاطع مخالفة أحكام الدستور بعدم تمكين المتهم من الاستماع للشهود الذين في شهاداتهم منجاة له من الإدانة.. وهو ما يتنافي مع جميع المبادئ المستقرة قضائياً ودستورياً بشأن متطلبات المحاكمة الجنائية المنصفة والعادلة.
ولا شك أن هذا السجال العلني قد فتح أعيننا علي جوانب مهمة في مشروع القانون الخاص بتعديل الإجراءات الجنائية. وجعل أمر استماع القاضي للشهود جوازياً.. بينما يلزم قانون الإجراءات الحالي القاضي بضرورة سماع الشهود في القضية.. وإذا كان الهدف من إسقاط شهادة الشهود هو إنجاز المحاكمة. فإن الرد الطبيعي علي ذلك أن العدالة البطيئة خير ألف مرة من الظلم السريع.. ومراعاة معايير العدالة أهم من سرعة إنجاز المحاكمة.
نقول ذلك.. ونطالب كل من يرفعون لواء "دعم الدولة" أن يدلوا بدلوهم في هذا السجال القانوني. حرصاً علي سمعة قضائنا وقُضاتنا.. وحماية لضمانات ومتطلبات العدالة في بلادنا.
لا نريد لمصر أن تعود إلي زمن القوانين سيئة السمعة. التي أسقطها الوعي الشعبي.. ولا أن تعود لزمن ترزية القوانين.. نريد أن نقطع الشك باليقين درءاً للشبهات.. وإذا كان لدينا مشكلة في كثرة القضايا وقلة عدد القُضاة. فهناك حلول أخري كثيرة بعيدة عن إحداث أي خلل بمنظومة القضاء وميزان العدالة.. وأبسط هذه الحلول وأقربها فتح الأبواب لتعيين المزيد من القُضاة المؤهلين.
مصر الآن تستطيع أن تميز بوضوح بين الغث والسمين.. وتُسقط كما أسقطت من قبل أي افتئات أو تعدي علي ميزان العدالة.. وتقاوم ـ كما قاومت من قبل ـ أي محاولات التفافية علي منظومة القضاء. ودورها في توفير متطلبات وضمانات العدالة.