محمد فتحى
في العضل .. مصر علي طريقة التاكسي الأبيض
المهم أن الله منَّ علينا في مصر بنعمة (أوبر) وهي خدمة مقدمة في العالم كله من بعض سائقي الملاكي الذين يتعاملون بمنتهي الاحترام ويحاولون تحسين دخلهم
ما سأحكيه الآن أنت تعرفه جيداً، وأنا فقط أذكرك به. في الغالب أنت معتاد إذا قصدت تاكسي أن تشير له وفي الغالب لا يتوقف بل يهدئ من سرعته لتنطق بوجهتك ويقرر هو بعدها هل سيتوقف أو يعود لسرعته ويتركك مكانك. هناك بعض السائقين لهم العديد من الحسابات التي يستحيل أن تعلمها أنت حين تقول له وجهتك فيتوقف ثم يفكر ويفكر ويفكر ويفكر ثم أخيراً يقول لك بعد نظرة متفحصة : اركب، أما لو كان حظك عاثراً فسوف يتذكر فجأة أن لديه موعدا في مكان ما عكس اتجاهك لو كان يحرص علي مشاعرك أو يتجاهلك تماماً ويكمل سيره لو لم يكن يبالي. في أوروبا والدول المتقدمة، بل والعالم العربي نفسه، تشير للتاكسي فيقف، ثم تحدث ظاهرة كونية غريبة إذ تركب التاكسي أولاً ثم تطلب من السائق إقلالك إلي حيث تريد، ولا يعترض هو أبداً، وإنما يبتسم.
في مصر، وقبل الركوب يحدث التفاوض الذي تعرفه إذ يسألك الرجل في خشوع : بتدفع كام يا أستاذ ؟؟ فترد علي مضض : "هو مش فيه عداد" ؟ ليرد هو باستعباط : معلهش أصله بايظ، وحين تقول له : إنت عايز كام، يبدأ التفاوض الذي ينتهي في الغالب لعدم ركوبك ولمرور تاكسيات أخري منعك هو بمباحثات السلام التي يجريها معك من ركوبها.
هناك حسابات معقدة لعملية التفاوض، فالسكة لو كانت مزدحمة ستدفع زيادة، ولو كان مشوارك بعيداً والعداد شغال سيطلب منك فوق العداد مبلغاً آخر "هرجع فاضي يا باشا " مع إنها ليست مشكلتك، ومع إنه لو "رجع مليان" لن تقتسم معه ثمن إقلال الراكب التالي. في الصيف يتطور الأمر لزيادة في الأجرة لو قام بتشغيل التكييف، الذي هو في الغالب "بايظ" دائماً، أو لن يشغله من أجلك لأنه "بيأثر ع العربية يا باشا ويقصر عمرها "!!، أما إذا أكرمك الله بعد كل ذلك وركبت فأنت ستعاني من العديد من الأشياء، فالسائق في الغالب يدخن وينظر لك بتأفف لو طلبت منه إطفاء السيجارة، ويسمع الكاسيت بصوت عال علي أغاني ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا طلبت منه مجرد خفض الصوت يلعب معك اللعبة الشهيرة إذ يمثل أنه خفض الصوت ثم يرفعه مرة أخري !! ومن الممكن أن يتبع الخطة الشهيرة فيحول المؤشر إلي إذاعة القرآن الكريم " ولو راجل اتكلم"، وهو يعطل دائماً زر إغلاق وفتح النوافذ فتضطر لطلب الأمر منه، ليرد علي مضض علي طلباتك التي هي من نوع " نقفل شوية الشباك.. لأ مش أوي كده.. لأ أستأذنك افتحه سنة عشان النفس " ومع كل طلب يصل لمرحلة الرجاء يتأفف الرجل ويشعرك أنك تطلب منه المستحيل، وهو ما جعل البعض منهم يستعيض عن الأمر بإيهامك أن (الزرار بايظ)، وبعضهم يلجأ إلي نزع (الأوكره) الخاصة بالباب ويخفيها متعللاً بأن "الباب بايظ يا باشا " ليخرسك تماماً، ويبدأ هو في الحديث عن كل شئ وأي شئ وأنت لا تستطيع أن توقفه فتضطر لمجاراته والتباسط معه وأخيراً.. أخييييراً تصل لوجهتك، ودائماً هو لا ينزلك عند النقطة التي تريدها، إذ تتلبسه فجأة روح المحافظ علي قواعد المرور والركن : "أصل فيه ظابط".. " أصل فيه مية ".. "الحتة دي مكسرة ".. "معلهش امشي الحبة دول عشان احود من هنا ".. إلي آخر هذه الاسطوانات التي تعرفها والتي تكفي لتأليف مجلدات، بل إن مؤلفاً مصرياً هو الأستاذ خالد الخميسي أصدر قبل عدة سنوات كتاباً بعنوان تاكسي.. حواديت المشاوير، لاقي نجاحاً ورواجاً كبيرين.
المهم أن الله منَّ علينا في مصر بنعمة (أوبر) وهي خدمة مقدمة في العالم كله من بعض سائقي الملاكي الذين يتعاملون بمنتهي الاحترام ويحاولون تحسين دخلهم، وتستدعيهم بالهاتف حيث بيتك، وتعطيهم وجهتك، فيقومون بإقلالك دون كل (قصص الرعب) السابقة، وبدلاً من أن يحسن سائقو التاكسي الأبيض من أسلوبهم أو مستواهم أو صورتهم الذهنية التي ساءت لدي كثيرين، إذا بهم يعترضون وينظمون وقفة احتجاجية تطلب منع خدمات (أوبر) التي هي بالمناسبة (أرخص) من عدادهم الذي لا يعمل.
مصر بالكامل كده سعادتك. هناك إصرار في العديد من المؤسسات والمصالح علي (الطريقة القديمة) بكل ما فيها من (مهانة) و(ضياع حقوق) و(طناش قانون)، بدلاً من تطوير الخدمات المقدمة أو التفكير خارج الصندوق. حتي القانون الذي يمكن اللجوء إليه معطل في مثل هذه الحالات، فهل تعلم بوجود محضر يمكن أن تحرره ضد من يمتنع عن توصيلك إلي وجهتك من سائقي التاكسي تحت بند (الامتناع عن التوصيل) ؟؟
مصر بالكامل تاكسي أبيض في الصحة والتعليم والداخلية والإدارة بشكل عام، والكل يرفض أن يطور من نفسه. فإذا انتصرت للتاكسي الأبيض رغم تقصيره تصبح مثل رئيس هيئة الطرق والكباري الذي صرح أن الشوارع المكسرة تقلل من الحوادث!! فهل تعلم أن الرئيس الذي سبقه في هيئة الطرق والكباري قال نفس التصريح ونال نفس السخرية، لكنه الآن في منصب وزير النقل !!!!!
مصر بالكامل تحتاج للخروج من مرحلة التاكسي الأبيض، أو تصليح العداد، لكي يأخذ كل ذي حق حقه، فهل نستطيع ؟؟
هذه المرة أنا متضامن مع (أوبر)، وضد ما يفعله العديد والعديد من سائقي التاكسي الأبيض، إلا من رحم ربي.