الأخبار
جمال زهران
ضوء أحمر .. الاستحضار المنظم لرموز وسياسات دولة مبارك الفاسدة
أما الحديث الجاري حتي الان عن الثورتين، فهو من باب التهدئة الشعبية وإسكات الناس لاحتوائهم حتي يقبلوا بفكرة «النظام الهجين» اي غير الاصيل، والخارج من ذات رحم النظام القديم.

احد أحد المحللين الكبار الذين احترم كتاباتهم كتب يقول، بمناسبة الذكري الخامسة لثورة 25 يناير 2011م، وعرج علي ثورة 30 يونيو 2013م، ان هاتين الثورتين مطلوب ان تؤسسا لعالم جديد يختلف عما كان قائما، وإلا عُدّت كل منهما انتفاضة شعبية. لا أكثر ولا أقل. ولاشك ان هذا المحلل المخضرم يلتزم بالتعريف الحقيقي للثورة التي هي أساسا تحرك شعبي واسع، يستهدف «التغيير الشامل»، وليس مجرد «التغير». فالتغيير عمل منظم يستهدف اسقاط نظام بشكل كامل والتأسيس لنظام جديد، وهو ما يقصده هذا المحلل الجليل. والتغيير غير التغير، والفارق «ياء» واحدة بينها، ولكن الواقع والهدف شتان بينهما. فالتغير يعني تغير اللون والسطح، بينما التغيير يعني اسقاطا وبناء، أي هدما كاملا للعمارة المقامة وتفوير أساساتها، وإقامة أساس جديد والبناء عليه.. وفقا للحلم الجماهيري. وفي فقه الثورات، فإن الثورة تعني اسقاط نظام كان قائما، بما يعني استبعاد الرموز ومحاسبتهم، وتغيير السياسات القائمة، واستبدالها بسياسات جديدة تعبر عن العالم الجديد للثورة، وتغيير قواعد نظام الحكم التي كانت سائدة في جميع المجالات. وما لم يحدث ذلك، فإن قوي الثورة والتغيير عليها ان تستمر في نضالها حتي تحقيق ذلك، علي عكس البراجماتيين النفعيين الانتهازيين، الذين يرون ان اصلاحا محدودا والتعامل مع الواقع بحجج مختلفة، امر مقبول، وهؤلاء ليسوا بثوريين. فإذا لم ينجح الثوار في فرض ارادتهم، او تم سحب البساط كاملا من تحت اقدامهم كما حدث مع جماعة الاخوان الارهابية حينما سطوا علي الثورة وأمموها لحسابهم بدعم خارجي امريكي بطبيعة الحال وغطاء اوربي، وقبول من المجلس العسكري دون مواربة، واستمر الوضع علي هذا النحو، فإن التحليل الذي وصل اليه محللنا المخضرم، سيكون صحيحا، وسيتم التعامل مع ما حدث تاريخيا بأنه مجرد انتفاضات شعبية، تم استثمارها لإعادة انتاج نظام مبارك، مع ازاحة بعض الرموز، وغسيل سمعة البعض الآخر، والدفع ببعض منهم في صدارة المشهد، ويلعب الاعلام دوره في ترجمة ذلك عمليا، بحيث يتم نسيان، ما كان يطلق عليه «ثورة»!!، بالاضافة إلي اعداد ترسانة من القوانين الداعمة لذلك والتي تسهم في تكوين المشهد المستهدف بإعادة انتاج ذات النظام الذي ثار الناس لإسقاطه!!

أما الحديث الجاري حتي الآن عن الثورتين، فهو من باب التهدئة الشعبية وإسكات الناس لاحتوائهم حتي يقبلوا بفكرة «النظام الهجين» اي غير الاصيل، والخارج من ذات رحم النظام القديم. وقد تحدثت تليفزيونيا وصحفيا، وكتبت العديد من المقالات لتوضيح ذلك لاستمرار التذكير بأن ما حدث هو ثورتان حقيقيتان، إما النصر أو الهزيمة، ولا وسط بينهما.

أقول ذلك، من واقع معايشتي الكاملة للمجتمع، حيث اقلب الصفحات، وجدت في صفحة «2» بالأهرام يوم 1 فبراير 2016 اسماء الضيوف في البرامج التليفزيونية والاذاعية، والمناسبة لذكري موقعة الجمل المجرمة التي شارك فيها جماعة مبارك وجماعة الاخوان!!، فوجدت اسماء من رموز مبارك ضيوفا في التليفزيون المصري، تليفزيون ملك الشعب، والشعب قام بثورتين، ومع ذلك فتيلفزيونه منفصل عن الثورتين، وبذلك فهو يعمل ضد الشعب، أي ضد ارادته!! فمن يحاسب هؤلاء؟! ومما وجدته استضافة محافظ متهم بالفساد ووضع في القفص، وناله براءات للجميع، بفعل فاعل بطبيعة الحال!!، وكان قريبا من سيدة القصر «سوزان هانم!!»، فكيف يأتي به التليفزيون؟! وكلما فتحت قنوات هذا التليفزيون، اجد رموز نظام مبارك من نواب سابقين وأصبحوا حاليين، وكتاب نظام مبارك، ووزراء مبارك، ومحافظي مبارك، يتحدثون للرأي العام، ويقدمون خبراتهم!! ياللهول: كيف بالله عليكم استقبال الجمهور لهؤلاء؟!

أليسوا هم الفاشلين الذين وراء ثورة الشعب لإسقاط نظام مبارك؟! هل هؤلاء فجأة اصبحوا كفاءات وأطهارا، ولذلك رأي التليفزيون اعادة تقديمهم للاستفادة من خبراتهم السيئة؟! أليس هذا من باب اعادة انتاج ممنهجة لنظام مبارك؟! ناهيكم عن القنوات الفضائية، ولا هذا ولا تلك يستقدمون رموز قوي التغيير إلا بشكل محدود!!

وفي وزارة الثقافة، وفي معرض الكتاب، وندوات وملتقيات الوزارة، راجعوا قوائم الضيوف، لتجدوا أغلبهم حتي الآن من رموز مبارك، وبالتالي ليست هناك مرجعية عند القيادات بأن ثورتين قد حدثتا!! ناهيكم عن اعضاء البرلمان الذين اتوا عبر قوانين حكومية تحت اشراف أمني بقيادة رفعت قمصان، وقوائم في حب مصر اعرت في مطبخ حكومة محلب ثم اسماعيل، وناهيكم عن الحكومة ونصف رموزها مباركيون، وسياسات عودة الخصخصة بقيادة طارق عامر في البنك المركزي.. الخ!!

لن أترحم علي الثورة وسأظل في المربع الثوري، لأن الثورتين مرجعية وأساس للشرعية لمن لا يفهم، والحوار متصل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف