الأخبار
حلمى النمنم
طه حسين والنعرات المذهبية «الفتنة الكبري» أعلي الكتب مبيعا في معرض الكتاب
في معرض القاهرة الدولي للكتاب، حقق كتاب د. طه حسين «الفتنة الكبري» معدلاً مرتفعاً في التوزيع، هو أعلي الكتب مبيعاً في جناح «دار المعارف»، الكتاب كما هو معروف يقع في مجلدين، يتناول الأول سيرة عثمان بن عفان، ذي النورين، والثاني يحمل عنوان «علي وبنوه».

يرصد الكتاب وقائع ما أطلق عليه «الفتنة الكبري»، وهي الفتنة التي شقت صف المسلمين منذ نهاية عهد الخليفة الثالث، وفتحت الباب لظهور جماعات داخل المسلمين والإسلام ذاته، فكانت السنة والشيعة والخوارج، ثم توالي ظهور الفرق والجماعات، حتي بلغت أكثر من سبعين فرقة في بعض التقديرات.

ورغم أن هذه القضية تم تناولها من باحثين عرب ومسلمين، فضلاً عن عدد كبير من المستشرقين، يظل رصد وتحليل د. طه حسين لها متميزاً ومتقدماً علي رؤي الآخرين، وهذا ما جعل الكتاب الذي صدر جزؤه الأول، نهاية الأربعينيات، مازال موضع الطلب والاهتمام من الدارسين إلي اليوم.

ونعرف من مذكرات الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي آخر سكرتير لطه حسين أن الأستاذ العميد خطط سنة 1972 لأن يواصل هذا الكتاب ويصدر منه جزءاً ثالثاً ثم رابعاً، وأعد المصادر والمراجع التي يعتمد عليها، وطلب إلي السكرتير أن يعد نفسه كي يملي عليه ما بقي من الكتاب، لكن المرض حال دون إتمام تلك المهمة، ثم كان قضاء الله سبحانه وتعالي بأن رحل العميد عن عالمنا في أكتوبر 1973.

والآن نري الاحتدام السني الشيعي، يزداد أواره في منطقتنا العربية، في اليمن تحديداً، وفي العراق وفي سوريا وكذلك في لبنان، فضلاً عن تأزم العلاقة بين إيران ودول الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية، والعلاقة بين مصر وإيران متأزمة منذ سنة 1979، والحق يقال إن التأزم بين مصر وإيران نشأ لأسباب سياسية، تتمثل في أن الثورة الإيرانية قامت علي توظيف الدين سياسياً، خاصة مع سيادة نظرية «ولاية الفقية» التي اعتمدتها ثورة إيران. ثم شهدت تلك العلاقة انفتاحاً زمن حكم الإخوان، وكان ذلك طبيعياً لتشابه أيديولوجية الإخوان في بعض جوانبها مع نظرية «ولاية الفقيه».

غير أزمة الاحتدام السني الشيعي، هناك مسألة التشدد والتطرف التي سادت بعض قطاعات من المجتمعات العربية، وما قاد إليه ذلك التطرف من إرهاب أوشك علي تدمير مجتمعات عدة وهدد كيانات بعض دول المنطقة، فضلاً عن الإساءة إلي سمعة المسلمين والإسلام ذاته، خارج عالمنا العربي والإسلامي، بصورة غير مسبوقة في التاريخ.. الإرهابيون يزعمون أنهم يمارسون الإرهاب دفاعاً عن الإسلام وباسمه، المتشددون يتشددون ويتزيدون ثم يتصورون أنهم بذلك يناصرون الإسلام، حتي دعاة النعرات المذهبية يستريحون إلي أنهم يدافعون عن صحيح الدين؛ في مثل هذا الجو الملبد بالحيرة والتشوش والضبابية المعرفية، يصبح من الطبيعي أن يذهب الباحثون والقراء الذين يبغون التعرف علي جذور هذا الإنقسام إلي الكتب العلمية التي تتناول الأمر بعمق وجدية، وفي مقدمتها كتاب د. طه حسين، وهناك كذلك بعض أعمال الشيخ أبو زهرة ود. عبد الرحمن بدوي وآخرين، بالإضافة إلي بعض الأعمال المترجمة التي تناولت المسألة بأسلوب وفكر علمي، علي الأغلب لن يذهب القاريء إلي كتب تثير النعرات المذهبية والإحن الطائفية، والتي تحول الإنتماء المذهبي إلي تعصب إيديولوجي مقيت، وهذه كثيرة، بل إن هناك بعض دور النشر تخصصت في إصدار كتب تنطوي علي الإثارة المذهبية، ومن حسن الحظ أنه كان هناك قرار صارم من إدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب، هذا العام بعدم السماح لمثل تلك الدور بالإشتراك في المعرض العريق، حتي يبقي المعرض فضاء ثقافياً ومعرفياً وليس ساحة للاحتراب المذهبي والأيديولوجي.

رحل د. طه حسين عن عالمنا قبل 43 عاماً، أي أن كل شباب مصر ومن هم في مطلع الكهولة لم يعاصروه، وتعرض الرجل لحملة ضارية حياً، واشتدت الحملات ضراوة بعد وفاته، لكن لأنه كان موهوباً وباحثاً جاداً، وامتلك قدرة علي الاستبصار المعرفي، فانتبه مبكراً إلي خطورة التوظيف السياسي للدين، الذي أدي إلي مقتل الخليفة الثالث، ثم من بعده الخليفة الرابع، واستمر القتل إلي اليوم، ولذا بقيت أعماله إلي اليوم، قادرة علي أن تلبي الاحتياج إلي المعرفة وأن تجيب علي تساؤلات اللحظة الراهنة، مصدقاً لقوله تعالي «فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف