الوفد
مصطفى شفيق
من قلبى .. مداخلة السيسى والتفسيرات الخاطئة للأزمة
الذين انتقدوا كلمات الرئيس واعترافاته لم يقدموا حلولا ولا مقترحات بديلة

كثير ممن تحدثوا عن مداخلة الرئيس السيسى مع الإعلامى عمرو أديب ذهبوا بعيدا فى تفسيراتهم ... وتعليقاتهم ... وانطباعاتهم ... وفى ظنى أن عددا غير قليل منا لم يجد فيها إلا فرصة للنقد ... وانجرف المعارضون ... والكارهون إلى التهكم ... والاتهام بالفشل ... وطوال الأيام الثلاثة الماضية شغلت نفسى بقراءة ما وصلت إليه من تعليقات على هذه المداخلة ... وفى رأيى أن معظم من تناول المداخلة حتى بعقلانية انصرف عن المغزى الحقيقى منها ... متمسكا بالدعوة إلى محاكمة الماضى ... وأظن أن حكاية التمسك بضرورة محاكمة الماضى ترجع إلى واحدة من ثوابت الشخصية المصرية ... نتحدث كثيرا عن الماضى ...ونرتد فى الحديث آلاف السنين ... فنفخر بالفراعين وإنجازاتهم ... ولا نسعى لتحقيق مثيل لها ... ونكتفى فى الحديث عن الحاضر بالصعوبات التى نواجهها ... والمعاناة التى نعيشها ... والمتاعب التى نتكبدها ... ونتحدث قليلا عن المستقبل ولا نخطط له ... لم أقرأ بين ما وصلت إليه ما يتحدث عن المستقبل ... وخطط إعادة البناء ... والنهوض ومتطلباته ... وفرص النجاح ... واحتمالات الإخفاق ... والتصرفات البديلة ... والدور المطلوب من الدولة ... والمطلوب من الشعب ... هذا القصور فى التناول أخذنا بعيدا عن معظم مشاكلنا وأزماتنا ... فانشغلنا بتوزيع الاتهامات ... عن إيجاد الحلول ... أو وضع خطط التحول إلى الأفضل.
الذين انتقدوا الرئيس السيسى ذهبوا مذاهب عدة أرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر ... انتقدوه فى الاتصال بقناة فضائية مشفرة ... وأنه تحدث عن الفقراء فى قناة الأغنياء ... غابت عنهم عدة أمور ... أولها أن سبب الاتصال كان تغطية إخبارية لأحداث مختار التتش ... والقنوات الفضائية الأخرى لم تنقل ما حدث رغم دلالته الخطيرة ... أما قنوات التليفزيون الرسمى فلم ولن تنقل مثل هذا الحدث الكبير رغم الحديث المستمر عن تطويرها ... وحيادها ... فما زالت العقول الحاكمة في المبنى ترى أنها لا بد أن تدور فى فلك النظام ... وليس الدولة ... والفارق بينهما غير خاف عنكم وعنى ... ولا يحتاج إلى شرح أو إيضاح ... الأمر الثانى أن هذه القنوات الفضائية والأرضية غير المشفرة مفتوحة باستمرار أمام حركات السيسى ... وسكناته ... وتعطل برامجها لتذيع أحاديثه باعتباره رئيس الدولة ... وبالتالى لا دافع ... ولا سبب ... ولا حاجة للتحدث إلى الفضائيات الرسمية ... ولا غير الرسمية فى أمر لم تتناوله.
الملاحظة الثانية أن البعض انتقد الرئيس السيسى لأنه اعترف بأننا لم ننجح فى الوصول للشباب الغاضب ... ولم يحدد طريقا للتواصل معهم ... وفى رأيى أن الرئيس حدد الطريق ... وقدم مقترحاته ... لكنه لم يصدر قرارات ... فالمطالبة بالتوصل إلى صيغة للتواصل مع الشباب هى دعوة رئاسية مستمرة ... لكن القيادات فى الأجهزة المسئولة لا تملك آلية التنفيذ... ولا عقلية التواصل ... ولا تسمح برأى مخالف ... ولا تعترف إلا بالتعليمات ... ولا تصدق أن كل مسئول عليه أن يفكر ... ويبتكر ... ويبدع ... ويدرس ... ويخطط ... وينفذ ما يتفق مع توجهات الدولة ... وأن المحاسبة على التقصير لن تكون من رأس الدولة ... لكن من الأجهزة المعاونة ... من مجلس الوزراء مجتمعا ... من الوزير المختص ... الوزير مشغول بالرياضة عن الشباب ... وليس الشباب كله رياضى... من الكوادر الرياضية المشغولة بصفقات البيع والشراء.
أحسب أن الحديث عن مداخلة الرئيس السيسى يجب أن يركز على كلامه عن بقايا الدولة ... وخطورة ما قاله عن وجود مشكلة فى كل شارع ... وكل مكان ... ذلك الحديث يترجم حالة الفساد التى ضربت كل شيء ... وهو حديث يتفق مع الاهتمام بتدعيم مقومات الدولة ... وهو حديث أيضا يتطلب منا مساءلة كل من تورط فى هذا الفساد ... دون أن ننشغل بهذه المساءلة عن بناء بكرة... عن البحث لأولادنا عن مستقبل أفضل ... عن الجد فى العمل ... الاجتهاد فى العلم ... المثابرة فى الإنجاز ... التكاتف فى مواجهة التحديات ... المتابعة المستمرة لما يتم إنجازه ... وما تأخر تنفيذه ... باختصار أن نكون أنا وأنت جزءا من الدولة التى نسعى لإعادة بنائها ... فعندما تصل الدولة إلى مرحلة الأشلاء والبقايا ... لا يجدى الخناق ... ولا ينفع السباب ... ولا يصلح من شأنها إلا خطط الإنقاذ ... ولا يفيد فى القيادة إلا أصحاب الرؤى البناءة.
من حقك أن تفهم كلام السيسى كما تريد ... ومن حق غيرك أيضا أن يفهمه بالطريقة التى يفكر بها ... المهم أن نبتعد أنا وأنت عن كلمات التخوين ... ودعوات الهدم ... والبحث عن وسيلة للتجريح والإساءة ... فالهروب من المشكلة إلى صراعات وانتقادات جانبية تصرف لا يلجأ إليه إلا من ابتعد عن الفهم الصحيح للمشكلة المطروحة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف