التحرير
سامح عيد
الأزهر جامعًا وجامعة
لا أدري سر غضب الأزهر من انتقاده أحيانا، في زمن مبارك ومع التدهور العام، تراجعت كل المؤسسات، وأنا أقول كل المؤسسات، لا يستطيع أحد أن يدَّعي أن قفص الطماطم الفاسد، هناك واحدة في الوسط سليمة، ونحن في مرحلة بناء الدولة المصرية الحديثة ننتقد كل المؤسسات بلا استثناء، أو باستثناء واحد هو المؤسسة العسكرية لاعتبارات الأمن القومي، ونترك أمر التطوير والتحديث داخل المؤسسة لأصحابها، وليست للشأن العام، مع متابعة لجنة الأمن القومي فقط لها، أما باقي المؤسسات فهي شأن عام ، تدخل للحوار المجتمعي، وكل يدلي بدلوه، وبعدين الهجوم ليس على مؤسسة الأزهر فقط، وإظهار القصور فيها، فهناك هجوم على التعليم قبل الجامعي وعلى التعليم الجامعي وعلى الصحة وعلى التضامن وعلي التموين وعلى النقل والمواصلات، وعلى مؤسسة الداخلية وكل المؤسسات، مافيش حد على رأسه ريشة، وليس معنى الانتقاد، التعميم والإطلاق، فكل مؤسسة من تلك المؤسسات فيها الصالح والطالح، ودور المجتمع والإعلام ومجلس النواب، وضع القوانين اللازمة للضبط، وعدم ترك الأمور للأهواء، وأن نكتفي بمراقبة الضمير، فمراقبة الضمير ليست كافية، بعد تدهور عقود، خربت فيه كثير من الذمم، فوجئت بوزير الثقافة، يكتب مقالاً في جريدة المصري اليوم عنوانه "خطر الهجوم على الأزهر"، حاول أن يدافع فيه عن الأزهر في محاولة حمايته من النقد، وقال فيه: "عندما ضعف الأزهر في بداية القرن الفائت ظهر رشيد رضا وحسن البنا، وعندما حدث النزاع بينه وبين المثقفين في التسعينيات، ظهرت جماعات العنف". وقال أيضا حلمي النمنم:


"يكفي أن أصدر الأزهر بيانًا يعلن فيه أن قضايا الفكر تحل بالفكر والرأي بالرأي"، وقال أيضًا: "الهجوم على الأزهر يمنح الجماعات الهامشية والمرفوضة أن تتسيد المشهد وتمسك بخاتم الدين، إضعاف الإسلام المؤسسى والمنظم هو لصالح الجماعات المتشددة والإرهابية التى تستهدف الأزهر والمثقفين معًا".

ولكننا نُذكر سيادة الوزير حلمي النمنم، الذي تم الهجوم عليه هجومًا عنيفًا من شيوخ أزهريين عندما أشاد بالعلمانية وبأهميتها لمجتمعاتنا للتقدم والرقي، أن جامعة الأزهر أصدرت بيانًا شديد الخطورة، أضفت على الجامعة القداسة وكان من ضمن ما قال "إن الهجمة الشرسة على الأزهر دونما أدنى اعتبارٍ لمكانة علماء الدِّين، أو حُرمةٍ وتقديس لعُلومه ورُسومِه"، فقد أضفى القداسة على علوم الأزهر، وما هي إلا علوم بشرية، وقد جعل البيان للتراث مفاتيح فهم، لا يعلمها إلا هم، يما يصنع كهنوتًا كاملًا لهذا الدين، لا يتحمله وفوق طاقته، وكان مما قال "الأزهر الشريف في مصرَ هو العنوان الدِّيني الأقدس"، وقد زكَّى نفسه تزكية ينهى عنها القرآن، فقد قال إن رسالة الأزهر هي رسالة خالصة لوجه الله، مُمحِّصة ممحِّضة من كلِّ غرَض أو عرَض أو مرَض، يُساندها أكثرُ من ألفِ عامٍ من علمٍ أصيل ومنهجٍ رصين، وتراثٍ عريق وأدبٍ عميق؛ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].

واستدعاء الآية في هذا المقام يسقطها توًّا علي شخوصهم، رغم أن الله تعالي يقول "هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى". (32) سورة النجم، فقد تألهوا على الله، وادعوا أنهم أعلم بأنفسهم وأنهم منزهون عن الهوى، ودافعوا عن مناهجهم دفاعًا مستميتًا، رغم أن الكثيرين من علماء الأزهر أنفسهم، تحدثوا عن ثغرات في المناهج، وضرورة تعديلها وتطويرها، وشكلوا لجانًا للتطوير.

وقال كلامًا غريبًا في ما يخص شمولية الإسلام:

"لا ولن يسمحَ أو يُسامح (يقصد الأزهر الجامعة) في فصل الدِّين عن الدولة، أو الدِّين عن العلم بحالٍ؛ فالدينُ الإسلاميُّ يحكُم حركة الحياة بكلِّ شمولها وتنوُّعها".
ربما نتفهم قولهم عن فصل الدين عن الدولة، ونقول إنها قضية تحتاج إلى نقاش، لنحدد مساحة التداخل بين الدين والدولة، أما بخصوص العلم وعدم فصله عن الدين فهذا كلام كنت أظن أننا تجاوزناه، ونتناقش في قضية مستوى الفصل بين الدين والدولة، أما إعادتنا إلى المربع رقم صفر، بعدم فصل الدين عن العلم، فهذه ردة إلى الخلف ولا يريدوننا أن نتكلم، واصفين الأزهر بأنه أمن قومي، مخونين كل من يناله بالنقد أو يتحدث عن التراث، وأنه تابع للمستشرقين الكارهين للدين.

بيان جامعة الأزهر، بيان عنصري متعصب لا يصدر إلا عن أولتراس أزهراوي، نحن لا نريد هدم أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومؤسسة الأزهر مؤسسة مهمة، فهي المسؤولة عن إخراج الوعاظ، لـ140 ألف مسجد، وهو أقوى جهاز إعلامي في مصر، فإذا كانت أي قناة تستطيع أن تحصد مليونًا أو مليوني مشاهد، فجوامع مصر، تحصد أكثر من 50 مليون مصلٍّ كل جمعة، لو تم تدريب هؤلاء الوعاظ جيدًا، لإرسال رسالة تنويرية تسامحية، ليست متعصبة ولا متشددة، لكان انتصارًا عظيمًا، ولا يستطيع أي شخص أن يدعو إلى الهدم، ولكننا ندعو إلى التطوير والتحديث والوقوف على الثغرات وسدها، لا العناد والمكابرة وعدم الاعتراف بعمق المشكلة، فالاعتراف بالمرض هو أول مراحل العلاج، أما إصرار المؤسسة أنها متعافية، وزي الفل، سنجعلنا نصر أكثر على نقدها كي تستفيق.

أما ما أطالب بإلغائه بشكل جدي، فهو المعاهد الأزهرية، لدينا 9258 معهدًا أزهريًّا، بما يقرب من عشرة آلاف معهد، بعضها صروح كبيرة كمعهدي الشيخ زايد، يجب توحيد التعليم الثانوي، وهذه الخطوة أخذها اليمن قبل عشرين سنة، عندما كان لديه المعاهد العلمية (أشبه بالمعاهد الأزهرية) والتعليم العام، وتم دمجهما بعد شعورهم بالتشوهات التي حدثت لتلك المعاهد، ولا مانع بعد توحيد التعليم ما قبل الجامعي، أن نعد مناهج علوم إنسانية لدراسة الفلسفة ومن ضمنها الفلسفة الإسلامية ومقارنة الأديان، للوصول إلى درجة تسامح أكبر، لو تمت صياغة تلك المناهج باحترافية.
وما زال حديثنا مع الأزهر ممتدًّا إن كان في العمر بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف