تسلمت بالبريد الإلكترونى رسالة من الأستاذ محمد أبو الفضل المشرف على صفحات الرأى بجريدة الأهرام يطلب فيها قراءة مقال للدكتورة نوال السعداوى تعليقاً على مقالى المنشور بنفس الجريدة تحت عنوان «مصير الإنسان على كوكب الأرض»، وعلى أن ينشر المقالان فى وقت واحد. والغاية من ردى، فى رأيه، التركيز على زاوية فكرية أراها مناسبة لفتح الباب لحوار ثرى من أجل تجديد الفكر.
وأنا بدورى أستجيب لهذا المطلب لأن الغاية المطلوب تحقيقها هى الغاية ذاتها التى دفعتنى إلى الموافقة على الكتابة فى جريدة الأهرام إثر قيام ثورة 25 يناير. وفى هذا السياق افتتحت الدكتورة نوال السعداوى مقالها بقولها إن مقالى يشجع على التفكير خارج المنهج المدرسى التقليدى مما يؤدى إلى تجديد الفكر بصفة عامة والفكر الدينى بصفة خاصة.
والسؤال إذن: ماذا يعنى تجديد الفكر الدينى؟
إنه بالسلب لا يعنى حذفه، وبالإيجاب يعنى أن ثمة فكراً دينياً مطلوبا تطعيمه برؤية مغايرة لرؤية تقليدية. وأظن أن الرؤية التقليدية للفكر الدينى تدور حول إعلان حقيقة مطلقة أو معتقد مطلق يطلب من المؤمن أن يلتزم بها أو به. وإذا انتقدها أو انتقده فتكفيره أمر لازم كحد أدنى وقتله إذا لزم الأمر كحد أقصى. واللافت للانتباه فى هذا القرن هو شيوع التكفير والقتل باسم الله على مستوى كوكب الأرض. وهذا هو مغزى الإرهاب الكوكبى الذى يستند إلى رؤية أصولية دينية تعتبر عدوها المحورى هو العلمانية. ولهذا فالمطلوب فى الحوار القادم الاهتمام بتحليل ونقد الرؤية الأصولية. ولا أدل على ضرورة هذا الاهتمام من أن الأكاديمية الأمريكية للعلوم والآداب قررت فى عام 1988 منح جامعة شيكاغو مليونين ونصف المليون دولار لإصدار خمسة مجلدات عن الأصوليات الدينية ودورها فى مختلف مجالات الحياة تحت عنوان المشروع الأصولى.
والمفارقة هنا أن المثقفين فى الدول العربية والإسلامية قد تجاهلوا قراءة هذه المجلدات. ومع ذلك فقد كنت أرغب فى أن تصدر الأكاديمية الأمريكية قراراً آخر بإصدار مجلدات أخرى عن العلمانية باعتبار أنها نقيض الأصولية، وباعتبار آخر وهو أن الصراع فى هذا القرن لن يكون إلا صراعاً بين الأصولية والعلمانية شئنا أو لم نشأ.
والجدير بالتنويه هنا هو نقد الدكتورة نوال السعداوى لعبارة وردت فى مقالى وهى أن الشائع فى هذا القرن هو «تذوق الموت دون تذوق الحياة» وأنا أريد أن تكون العبارة على العند من ذلك ومن هنا افتتحت مقالى باتفاقية تغيير المناخ الكوكبى التى أبرمت فى باريس فى 13/9/2015 والغاية منها منع موت الإنسان نهائياً على كوكب الأرض. ومن هنا جاء تنويهى بالتطور العلمى المعاصر الذى يريد إدخال مواد ميتة فى مواد حية لإطالة الحياة، لأن الوعى بهذه الإطالة يسمح بتذوق الحياة دون تذوق الموت، وبذلك نلغى الثنائية بين الحياة والموت.
كما أن هذه الإطالة تسمح أيضاً بتطوير الهومو سابينس» بحيث يمكنه الارتقاء إلى نوع بشرى مغاير. ومن هنا وردت فى مقالى آية من الإصحاح الأول من سفر التكوين القائلة بأن الله خلق الإنسان على صورته، وهى تعنى، فى رأيى، أن الانسان لديه مخزون أو لديه عناصر كامنة كفيلة بأن تسمح له بأن يكون كذلك. وهذا تأويل يتجاوز المعنى الحرفى الذى ارتأته الدكتورة نوال السعداوى بل هذا تأويل أريد له أن يكون سائداً فى فهم النصوص الدينية بحيث يمكن القضاء على الإرهاب الذى يستند إلى حرفية النصوص الدينية والذى هو، من هذه الزاوية مهدد للحضارة وليس لدولة دون أخرى.
أما تفسير الظواهر الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية على أساس يمين ويسار على نحو ماترى الدكتورة نوال السعداوى فقد انتهى بعد زوال الكتلة الشيوعية التى كان يقال عنها إنها على اليسار فى السياق الحضارى.
خلاصة القول إن ثمة فكرين: أحدهما تقليدى والآخر مبدع. الأول لم يعد صالحاً والثانى فى حالة ميلاد متعثر. والمطلوب من الحوار القادم المساهمة فى ولادة فكر مبدع بلا تعثر تكون الغاية منه إنقاذ الإنسان من تذوق الموت دون تذوق الحياة.