الأهرام
محمد ابو الفضل
تجديد الفكر قبل تجديد الخطاب
لم تفلح الدعوات المتكررة منذ زمن لتجديد الخطاب الدينى فى أن تلقى استجابة حقيقية من جانب المنوط بهم القيام بهذه المهمة، ولم تجد الدعوة التى وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسى أخيرا أصداء إيجابية كبيرة على الأرض لدى الأزهر الشريف، والقيام بدوره فى عملية التجديد المطلوبة، والذى ينسب له كثيرون مجموعة من المشكلات الناجمة عن اتساع رقعة التيار الإسلامى المتشدد.

ولا أعلم هل لأن من بيدهم الناصية الحقيقية، من العلماء والمثقفين، لا يرون جدوى من وراء تجديد الخطاب الديني، أم أن اعتياد الكسل وصل بهم إلى هذا الحد من التقاعس، الذى كان أحد عوامل الركود فى مجالات الإبداع؟

بصرف النظر عن الإجابة، من الضرورى وضع الحصان أمام العربة، وإعادة طرح القضية من زاوية مختلفة، تتعلق بتجديد الفكر عموما، قبل تجديد الخطاب الديني، لأن تغيير الأصل مقدم على تغيير الفرع، والأول (تجديد الفكر) هو القاطرة الطبيعية التى تقود إلى تجديد الخطاب الدينى والحياتى أيضا.

عموما على المسئولين عن تجديد الخطاب الدينى المضى فى طريقهم، إذا كانت عندهم عزيمة، عسى ان يراجعوا مواقفهم، والأهرام سيتبنى قضيته المركزية، ويواصل الاهتمام بها، لأنها المدخل الجيد للاصلاح العام، الذى نتمناه منذ فترة، وتتواءم مع الامنيات التى راودت (ولاتزال) كثير من المثقفين الوطنيين، الذين حار بعضهم فى البحث عن آليات للخروج من المأزق الذى نعيشه على اصعدة مختلفة.

الفكرة جاءت عبر مكالمة هاتفية تلقيتها من الدكتورة نوال السعداوي، عندما أرسلت ردا على مقال مهم للدكتور مراد وهبة بعنوان «مصير الإنسان على كوكب الأرض» الشهر الماضي، ضمن سلسلة مقالاته (رؤيتى للقرن الحادى والعشرين) والتى يكتبها أسبوعيا على صفحات الرأى بالأهرام .

الحوار مع الدكتورة نوال تطرق لقضايا فكرية متنوعة، واتفقنا فى النهاية على فتح الباب للنقاش العام، من خلال طرح رؤى جريئة، حتى لو كانت متصادمة، تكون بداية لتناول القضية من جوانب متعددة، وأشارت الكاتبة الكبيرة إلى حوار طويل دار بينها وبين الأديب الراحل توفيق الحكيم فى أواخر أيامه حول تجديد الفكر، وأنه كان مشغولا به بدرجة كبيرة، ومع كثرة انخراطه وتنوع اجتهاداته، إلا أن القدر لم يسعفه لتنفيذ فكرته، التى لا تزال بحاجة لمن يتصدى لتطويرها، بما يتواءم مع الظروف المتبلدة حاليا.

عندما ناقشت القضية مع مجموعة من الكتاب والأصدقاء استحسنها عدد كبير منهم، ليس لأنها تكمل مسيرة طويلة أفنى فيها بعض الكتاب والمفكرين أعمارهم، لكن لأننا أشد ما نحتاج إليها فى الوقت الراهن، بعد أن وصل منحنى التفكير إلى مستوى مخيف، أضحى يهدد مستقبل الدور الثقافى لمصر، نتيجة التدهور المرعب فى الذوق العام، والذى يعكسه حالنا فى غالبية الفنون، ووصل التردى فى لغة الخطاب اليومى مرتبة مزعجة، تشعرك بأننا بلا فكر، وربما بلا عقل، لذلك يبدو النقاش حول تجديد الفكر فى غاية الأهمية حاليا.

أولا، لتدلى النخبة المثقفة برؤاها وتسهم فى تقديم طروحات من الممكن أن تساعد على انتشالنا من الحالة المؤسفة، التى أرخت بظلال قاتمة على مكانة مصر الثقافية والعلمية، ومنحت فرصة لآخرين أن يتقدموا عليها، ومنهم من ظن أنه قد آن لها أن تستريح، بعد مرحلة طويلة من القيادة والريادة، فى الفكر والثقافة والسياسة والرياضة والإعلام و و..

ثانيا، التراجع وصل حدا خطيرا، يتطلب أن ينهض كل مثقف ويتخلى عن سلبيته أو أنانيته، ليس لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لتجديد الفكر، لكن لأن الشعب المصرى أمة تستحق أن تتبوأ مكانتها الحضارية، وما حدث خلال العقود الماضية طارئ يستوجب اليقظة، خاصة أن لدينا من النخب والمكونات والقواعد والمهارات ما يمكنا سريعا من أن نعدل فعليا الدفة الثقافية، فى المحيطين المصرى والعربي.

ثالثا، من الصعوبة أن تكون هناك طموحات وتطلعات سياسية عظيمة، دون أن نمتلك أجندة حضارية موازية، والفكر من أهم الأدوات التى تحقق هذه الغاية، فمن خلاله يمكن حسم الكثير من الإشكاليات التى تقف عائقا أمام الانطلاق الثقافى والفكري، ووقف الانحدار الذى سمح لعديمى الموهبة أن يتقدموا الصفوف عنوة، كأن مصر عقمت أن تنجب غيرهم.

رابعا، مصر تمتلك رصيدا وفيرا من القوة الناعمة غير المستغلة، والتى تسبب خمولها وغيابها فى احتلال بعض الأشخاص مكانة لا يستحقونها، والأدهى أن هؤلاء قدموا أنفسهم باعتبارهم ممثلين لهذه القوة، وللأسف هناك من صدقهم، لأنهم استحوذوا على جانب كبير من الصخب العام، ولأن توارى هذه العملة لن يتم إلا بتقدم عملة ثقافية حقيقية، لابد من تغيير الفكر، الذى يسمح باستيعاب الفريق الغائب وطرد الفريق الزائف .

الحديث عن تجديد الفكر، متشعب ويقودنا إلى مناطق ومجالات متباينة، بعضها عميق جدا يحتاج إلى دراسات موسوعية، وبعضها بسيط يتم تداوله تلقائيا، دون أن ندرك معانيه وحجم تأثيراته الفكرية، ولا تكفى هذا أو ذاك صفحة فى جريدة، بل يحتاج كلاهما إلى حوارات ومناقشات طويلة، حتى نتمكن من تحديد أوجه الخلل الفعلية، ونبدأ مرحلة العلاج.

على هذه الصفحة أربعة مقالات عن ممثلين لثلاثة أجيال مختلفة، نستهل بها الحوار، أحدها للدكتورة نوال السعداوي، الذى كان سببا لفتح النقاش، والثانى للدكتور مراد وهبة، ويلقى فيه المزيد من الضوء على فكرته التى كانت منبعا لحوار سيستمر، والثالث للدكتور نصر محمد عارف أستاذ العلوم السياسية المرموق، ويتوقف فيه عند قضايا كثيرة فى صميم فكرتنا، أهمها مسألة الثنائيات، والمطالبة بأن يأتى التجديد من الداخل، والرابع للدكتور يسرى عبدالله الناقد والمبدع، ويطرح فيه جملة من الأفكار تخص جوهر القضية، وأبرزها أولوية التنوير الحقيقى للعقل والاعتماد على فكرة القيمة.

وسنتلقى الإسهامات والمشاركات عبر البريد الإليكترونى لصفحات الرأى لنشرها تباعا.

شريطة أن تكون متضمنة إقتراحات محددة لتصحيح الخلل الحاصل حاليا
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف