داليا جمال
أما قبل - من أمن الضباع مات عطشا!
وعندما كانت الليلة الألف.. قالت شهرزاد للملك شهريار.. بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد.. أن الأسد الجسور قد استتبت له الأمور، واستقر له حكم الغابة أياما وشهور، وولته الحيوانات زعيما للرعية، وأسلموه الأمر والنهي، فحكم وعدل، وأصبح ذا حكم لا يرد،.. وأمر لا يصد، إلي أن حل صباح استيقظ فيه الأسد علي هرج ومرج، وأصوات تعلو، وحيوانات تشكو، وأخري تخور، فأرسل القرد شهبور يستطلع الأمور.
وعما دفع بالحيوانات في غابته لكي تثور!!
وماهي الا ساعة حتي عاد شهبور ليقول للأسد الجسور: مولاي الملك منذ آلاف السنين وحيوانات الغابة تشرب من نهرنا العظيم، وما أتي عليه غاصب إلا قهرناه، ولا طامع إلا دحرناه. إلا أننا اليوم فوجئنا بمياهه وقد قلت!! وكأنما توشك أن تجف.. ففزعت جموع الحيوانات، فأرسلت أحد الصقور يستبين الأمور. وفي لمح البصر جاءني من الصقر خبر.. فقبيلة الضباع التي تستوطن أعالي النهر، قررت أن تسود وعلي نهرنا ستبني السدود، ولن نشرب بعد السد إلا إذا قبلت علينا بالماء أن تجود!!
ولأنهم ضباع سيقطعون عنا الماء ويحولون غابتنا الخضراء صحراء جرداء!!
استعرض الأسد قوته، ومشي واثقا في خطوته، وفاجأ زعيم الضباع في أرضه القاحلة بزيارة عاجلة!! وما أن علم زعيم الضباع بحضور الأسد الجسور حتي استعد ليقابله بزهو وغرور،لكن نائبه المعروف بالداهية، قال له ياسيدي ما هكذا تؤخذ الأمور.. فالأسود لا يرضيها الا الانحناء أمامها في ذلة وانكسار حتي لا يدرك ما تضمره له ولشعبه من غدر ودمار، وعندها يلين لك الحديد وتبني السد وتحقق كل ما تريد.. وزاد الضبع المكار لزعيم الضباع الأشرار. ياسيدي: إنحني قليلا أمام الإعصار وبخضوع.. قابل زعيم الضباع الأسد الجسور وقال مبتسما: حضورك غال ومقامك عال.. والعين لن تعلو عن الحاجب، ونحن أبناء غابة واحدة ويربطنا نهر واحد، وبالروح والدم نفديك بأرواحنا ياكبير الغابة!!
تبسم الأسد ابتسامة المنتصر، وقد ظن أنه بهيبته وبأسه قد انتصر!!
وما إن ذهب الأسد.. حتي أمر زعيم الضباع بإقامة الأفراح والليالي الملاح.. قائلا لقبيلة الضباع: اليوم لعب خمر وغدا نستكمل بناء السدود، وتعلو فتنهار معها الوعود، وتخور من العطش قوي الأسود.. وستعلم الغابة حينها أننا من سيحكم ويسود وقبل أن يدرك شهرزاد الصباح فقالت: غابت الحكمة عن الأسد!!، عندما ظن أن الضبع يفي بوعد وبالحيلة والخداع تحقق هدف الضباع وضاعت هيبة السباع، فلا غابة تقوم مع العطش ولا ملك يحكم قبيلة من العطشي.. ولا أمان لوعد يؤخذ من ضباع.. ومن أمن الضباع مات عطشا.