خالد عكاشة
قوات أمريكية اتصلت بمسلحين استعداداً لحرب فى ليبيا
>> «آشتون كارتر»: داعش يؤسس مواقع تدريب فى ليبيا لتكرار تجربته فى الشام
>>البنتاجون أعلن صراحة بحثه فى خيارات منع التنظيم من السيطرة على مناطق النفط
الأسابيع الأخيرة من شهر يناير حملت أكثر من إشارة بأن هناك طبولًا لحملة عسكرية على ليبيا تدق فى واشنطن وفى بعض العواصم الأوروبية، ورغم كون هذا العزف لم يضبط إيقاعه بعد وما زال يحمل بعضًا من ارتباك التوافق الغائب بين الأطراف العديدة، لكنه من دون شك يحمل لافتتاحية العام الجديد 2016 تعاطى دولى مغاير تمامًا للملف الليبى عما كان الموقف عليه فى بداية العام المنصرم، فقد كشفت صحيفة «الجارديان» البريطانية الأسبوع الماضى فى تقرير نشر على صفحاتها بعنوان مباشر لأول مرة يظهر بهذه الكلمات فى الصحافة الغربية.. «أن الولايات المتحدة تبحث شن عملية جديدة ضد تنظيم داعش الإرهابى فى ليبيا»، جاء فيه أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» تبحث حاليًا فى جدوى وتبعات القيام بعملية عسكرية جديدة لمنع تنظيم «داعش» الإرهابى من توسيع المناطق التى يسيطر عليها فى ليبيا، ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم البنتاجون «بيتر كوك» قوله إن وزارة الدفاع الأمريكية تبحث بين الخيارات المتاحة لمنع سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابى على مزيد من الأراضى فى الدولة الغنية بالنفط، وأن واشنطن تقوم حاليًا بالبحث عن حلفاء بين الفصائل المسلحة فى ليبيا للعمل معها على تنفيذ عمل حاسم ضد تنظيم داعش، واللافت للانتباه فى هذا التقرير المثير أن بيتر كوك للمرة الأولى يذكر للصحيفة البريطانية أن مجموعة صغيرة من القوات الأمريكية قامت بالاتصال بعدد من المسلحين فى ليبيا للتعرف على الأطراف الفعالة فى المشهد الليبى، مما دفع الصحيفة لأن تعلق من جانبها على هذا الطرح الصادر من البنتاجون إلى أنه فى شهر ديسمبر الماضى كشف النقاب عن تواجد مجموعة من الجنود الأمريكيين فى ليبيا، بعد نشر صورة لهم على إحدى الصفحات التابعة للقوات الجوية الموالية «للواء / خليفة حفتر» معللة ذلك إلى أن هذه القوات الأمريكية كانت تبحث عن حلفاء لواشنطن فى ليبيا يمكن الوثوق بهم والاعتماد عليهم.
وكما أسلفنا لم ينصرم يناير حتى شهد البيت الأبيض اجتماعًا عقد بتاريخ 28 يناير ما بين «باراك أوباما» وأعضاء «مجلس الأمن الوطنى»، والذى وجه فيه أوباما مهام محددة للمجتمعين بضرورة وضع خطة لمواجهة تنظيم داعش فى ليبيا، وبعد انتهاء الاجتماع جاء البيان الصادر من البيت الأبيض يحمل كلمات مقتضبة، لكنها تكشف المطلوب تمامًا حيث جاء فيه «أن الولايات المتحدة ستواصل مواجهة متمردى داعش فى أى دولة إذا صار ذلك ضروريًا، وأمر الرئيس مجلس الأمن الوطنى بمواصلة جهود تقوية نظام الحكم ودعم الحرب ضد الإرهاب فى ليبيا، وفى دول أخرى يحاول داعش نقل نشاطاته إليها»، واتبع ذلك بعده بدقائق تصريح صحفى لوزير الدفاع «آشتون كارتر» تحدث فيه عن أن داعش صار يؤسس مواقع تدريب فى ليبيا، وهذه المواقع يتم استقبال المقاتلين الجدد بها استنساخًا للتجربة السورية والعراقية، وأنه يتم الآن جمع معلومات استخباراتية عنها، وترجم ما كان يدور داخل اجتماع الغرفة المغلقة فى تفسير كاشف بأنهم وفق تلك المعلومات المشار إليها سيضعون ما يمكن القيام به فى المستقبل.
وعن هذا المستقبل الذى يشير إليه وزير الدفاع الأمريكى قد يكون من المهم الوقوف على جزء متعلق بما نحن بصدده، فالترتيب الرسمى الأمريكى الذى طرح من قبل البنتاجون أمام لجان الكونجرس المتخصصة وعلى لسان وزير الدفاع آشتون كارتر مرة أخرى، أن الخطة المالية تتضمن زيادة فى حجم الانفاق العسكرى فى بند الميزانية المخصصة لمحاربة تنظيم «داعش» بنسبة تقدر بـ 50 فى المائة خلال (2016 / 2017م) لتصل لرقم 7.5 مليار دولار، وأن تفصيلات هذا الرقم تشمل 1.8 مليار دولار ستخصص لشراء 45 ألف قنبلة ذكية موجهة بالأقمار الصناعية وصواريخ موجهة بالليزر، مع الإشارة إلى تأجيل الاستعانة بطائرات A-10 حتى عام 2022م والاعتماد الكامل على مقاتلات F-35 حتى هذا التاريخ، وفيما يتعلق بمواجهة التواجد الروسى المتزايد فى القارة الأوروبية فإن الوزارة ستخصص مبلغ 3.4 مليار دولار لهذه العمليات، وهى زيادة ضخمة بصورة ملحوظة مقدارها ثلاثة أضعاف عن ميزانية عام 2015م، ومن المشاريع التى تركز عليها ميزانية وزارة الدفاع لعام 2017م هو الاستثمار فى التقنيات الحديثة والابتكارات التى خصص لها مبلغ 71.4 مليار دولار، كما خصص مبلغ 8.1 مليار دولار لتطوير القدرات التقنية للأسلحة والتجهيزات التى يتم العمل بها تحت البحر، وأكد آشتون كارتر فى كلمته أمام الكونجرس على أن الميزانية التى يصل حجمها إلى 852.7 مليار دولار لعام 2017م والتى وصفت بغير المسبوقة هدفها مواجهة التحديات الجسيمة التى يمر بها العالم، وخطط البنتاجون أنها ستجعل الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للوقوف فى وجهها لأكثر من 30 سنة مقبلة.
وصورة الخطر الحقيقى الذى تتابعه كل الأطراف الدولية والإقليمية عن كثب وليس به أى قدر من المبالغة فى تقديره، ظهر من خلال العملية الأخيرة التى قام بها تنظيم داعش ونفذها على الأراضى الليبية فى سلسلة من العمليات المسلحة التى يسعى فيها لإثبات وجوده، ويراهن من خلالها على استعادة مكانته بين مقاتليه وأنصاره بعد الإخفاقات المتتالية التى واجهها على امتداد انتشاره فى الساحة السورية والعراقية، خاصة بعد فقدانه للعديد من المناطق الاستراتيجية المهمة الذى كان آخرها مركز مدينة الرمادى فى العراق وأجزاء حيوية من محافظة الرقة بسوريا، أعلن التنظيم فى الرابع من يناير عن تنفيذ عملية تعرضية شاملة أطلق عليها تسمية «غزوة القحطانى» تمكن خلالها من السيطرة على منطقة «بن جواد» التابعة لمدينة سرت الليبية ذات الأهمية الاستراتيجية، وهذه العملية تعزيز تواجده وانتشاره على امتداد منطقة «الهلال النفطى» التى سعى التنظيم مرارًا لإحكام سيطرته عليها، حيث تعتبر منطقة «بن جواد» من المناطق ذات البعد التعبوى والاقتصادى المهم للتنظيم، والتى تقع على مسافة 600 كم من طرابلس العاصمة، وعلى بعد نحو 145 كم شرق مدينة سرت، وفيها أكبر الموانئ النفطية المستخدمة لعملية تصدير النفط الليبى عبر سواحل البحر المتوسط، حيث تتوافر بنية تحتية تشمل 4 مراسى مجهزة لسفن الشحن مع 19 خزانًا نفطيًا بسعة تصل إلى 6 ملايين برميل من النفط الخام.
يمكن اعتبار هذه العملية الأخيرة نقلة واسعة للأمام فى موازين القوى والأحداث ما بين التظيم وأعدائه نظرًا لما تشكله منطقة «بن جواد» من أهمية مركبة، فهى بداية تقع على ساحل البحر المتوسط بين مدينة «رأس لانوف» من الشرق ومدينة «سرت» من الغرب، حيث تعد تلك المساحة الواسعة هى المعقل الرئيسى للتنظيم فى ليبيا بكاملها والتى يخطط التنظيم من أجلها منذ وصوله هناك، فهى بالنسبة له المنطقة المفتاح والمهمة التى تشكلها منطقة «الهلال النفطى» الممتدة من مدن «أجدابيا وسرت وصبراته»، لذلك كان استهدافه طوال النصف الثانى من العام الماضى أماكن الطاقة النفطية وسعيه للاستحواذ والسيطرة على جميع المدن والموانئ النفطية المهمة، حيث تمكن التنظيم من تحديد وتنفيذ سياسته فى تكتيكات حركة مقاتليه وسعيه للتمدد نحو هذه المنطقة على وجه الخصوص تاركا الأطراف الأخرى بداخل ليبيا يتنازعون على ما سواها.
لذلك جاء التنظيم وسيطرته على منطقة «بن جواد» إنما يؤكد حقيقة أهدافه فى تعزيز تواجده بالمناطق التى تمتاز بموقعها الاستراتيجى لما تحتويه من احتياطى كبير للنفط، هو الذى سيشكل مردودًا اقتصاديًا جيدًا يساعد التنظيم على استدامة زخم قتاله ضد الأطراف الأخرى، وتقديم الدعم والمساندة لمقاتليه باستمراره فى المواجهة والتقدم خلال سعى التنظيم للتوغل داخل الأراضى الليبية وإحكام سيطرته على المناطق المهمة الأخرى ذات البعد الاستراتيجى، كما تحقق السيطرة على الساحل الليبى وتحديدًا من مدينة «سرت» معقل التنظيم وبامتداد نحو 250 كم هو بذلك يحقق انتشارًا واسعًا فى منطقة مهمة تساعده على تصدير النفط الخام بحرية، وباتباع أساليب متقدمة والاستفادة من خبرته التى اكتسبها فى تصدير النفط الخام التى قام بها فى المناطق التى سيطر عليها فى العراق وسورية، وما يؤكد الفكر الاستراتيجى المتطور للتنظيم أن السيطرة على منطقة «بن جواد» يعزز بالفعل أهدافه فى مدينة «أجدابيا التى تشكل محورًا مهمًا فى منطقة «الهلال النفطى»، حيث تتواجد معظم آبار النفط والغاز التى تشكل ينبوع الطاقة فى ليبيا، ومن بعدها الوصول إلى «ميناء سدرة النفطى» وهو من الموانئ المجهزة بالبنية التحتية التى تستخدم فى عملية تصدير النفط الليبى.
استخدم التنظيم فى تنفيذ عملية السيطرة على منطقة «بن جواد» خطة عسكرية محكمة بقيادة كل من «أبو معاذ السودانى» و«أبوهمام التونسى» وبرتل عسكرى كبير، مكون من عدد من الآليات والعربات العسكرية تحمل صواريخ «جراد وكورنيت» ويتقدمهم عدد من الانتحاريين مع سياراتهم التى تم تفجيرها بواسطتهم حال وصولهم للهدف، من أجل فتح الطريق لتقدم الرتل العسكرى للسيطرة على مدخل «بن جواد»، ومن بعد ذلك إحكام القبضة على المدينة والمنطقة بكاملها، وقد أطلق التنظيم على العملية العسكرية اسم «أبو نبيل الإنبارى» الذى يعرف باسمه الحركى «أبو المغيرة القحطانى»، فى إشارة من التنظيم لأحد قياديه المهمين فى مدينة «درنة» الليبية الذى تم استهدافه فى العام 2015م بغارة أمريكية أدت إلى مقتله، وهذا القيادى العراقى الجنسية وفق المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التى سجلت بحقه قبل عملية قتله هو المتحدث الرسمى الأول لتنظيم داعش فى ليبيا، وأن لديه اسمًا آخر ربما هو اسمه الحقيقى بالفعل «وسام نجم عبد الزيد الزبيدى» وهو الشخص الذى ظهر فى المقطع المصور قائدًا لعملية اغتيال المصريين الأقباط بالقرب من ساحل مدينة درنة.