المساء
مؤمن الهباء
شهادة -خبر ما عندهم .. وخبر ما عندنا
المزارعون مظلومون ومطحونون.. حتي في فرنسا.
في يوم الأربعاء الماضي تظاهروا في جميع أنحاء البلاد احتجاجاً علي تدني أسعار منتجاتهم وارتفاع الأعباء الضريبية.. واستخدموا الجرارات لقطع الطرق ومحاصرة مقار المحافظات والمواقع الصناعية في عدة مدن.. ووقعت اشتباكات في منطقة نورماندي في الشمال مع قوات الأمن التي ردت باستخدام الغاز المسيل للدموع.. وأعرب المزارعون عن استيائهم من ضعف أسعار منتجاتهم. ومن ارتفاع الاستقطاعات الاجتماعية. مشيرين إلي ارتفاع حالات الانتحار بين المزارعين المتعثرين.. مؤكدين عزمهم علي مواصلة الحركة الاحتجاجية حتي تتم الاستجابة لمطالبهم التي تتضمن وضع استراتيجية زراعية واتخاذ تدابير علي المستوي الأوروبي لحماية المنتجات المحلية.
وكان الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. قد استقبل كزافييه بيلان. رئيس الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين لبحث مطالب المحتجين.. وصرح بيلان عقب الاجتماع بأن الرئيس سيتناول مشاكل المزارعين قبل وخلال معرض باريس الدولي للزراعة المقرر إقامته في 27 فبراير الجاري.
هذا خبر ما عندهم.. فما خبر ما عندنا؟!
المزارعون في مصر يشكون مر الشكوي من ارتفاع تكاليف الإنتاج.. وبالذات أسعار البذور "التقاوي" والمبيدات والأسمدة.. بعد تحريرها تماما وتقويض دور الجمعيات التعاونية الزراعية.. بينما يترك المزارع نهبا للتجار الذين يفرضون عليه سعرا غير عادل لإنتاجه.. يحدث هذا في الزراعات التقليدية والحاصلات البستانية علي حد سواء.. الخضراوات والفواكه.. ولم تعد هناك أية هيئة أو مؤسسة توفر الحماية للمزارعين وتضمن حقوقهم في مواجهة الاحتكارات التي يفرضها التجار.
أقرب مثال كان في موسم البرتقال الحالي.. حيث اشتري التجار الكيلو من الحقل بجنيه واحد وعشرة قروش وباعوه في السوق بجنيهين ونصف الجنيه.. مما يعني أن المزارع "المنتج" لم يتحصل علي 50% من سعره بالسوق.. ودائما ما يوضع في موقف يجعله يبيع بثمن بخس لا يغطي حتي التكلفة.
وما يقال علي البرتقال يقال علي الطماطم والموز والعنب والمشمش والقطن والذرة وما إلي ذلك.. حيث يكون المزارع هو الحلقة الأضعف.. وهو المطالب بتحمل أي خسارة تحدث لو ظهر أن المبيدات فاسدة أو غير فعالة.. أو أن التقاوي مضروبة.. لذلك لا تتعجب إذا علمت أن الزراعة صارت مهنة غير مرغوبة في بلد قام أساسا علي الزراعة.. والفلاحون يتسارعون الآن لترك مهنتهم بحثا عن مصدر رزق آخر أكثر استقرارا وأمنا وأقل تعبا.
والمشكلة أن الدولة تركت المزارعين بلا حماية منذ أن ابتدعت سياسة تحرير الزراعة.. وسوقت هذه السياسة علي أنها لصالح الفلاح الذي أصبح من حقه أن يزرع ما يشاء ويبيع إنتاجه كيف يشاء.. ثم ظهرت الحقيقة المرة.. وتأكد أن تحرير الزراعة كان أساسا ضد الفلاح واستهدف تدميره.. حيث أنهت الدولة الدور الأساسي للجمعيات التعاونية الزراعية التي كانت توفر له مستلزمات الإنتاج بأسعار معقولة.. وكانت تساعده في بيع إنتاجه بأسعار عادلة تحميه من جشع التجار واحتكاراتهم.. وباعت شركات تسويق الحاصلات ضمن مهرجان الخصخصة وكانت تقوم بدور مهم في فتح أسواق خارجية للحاصلات المصرية بما يعني ضمان أسعار عادلة للمنتجات الزراعية المصرية تغطي التكاليف وتوفر فائضا يعيش منه المزارع.. فيزداد ارتباطه بالأرض وبأشرف مهنة عرفها الإنسان.. مهنة فلاحة الأرض واستزراعها ليخرج منها الخير الوفير.
وتواجه مصر الآن أزمة في القمح بعد رفض مئات الأطنان من الصفقات الواردة من الخارج بسبب عدم مطابقتها للمواصفات.. ومعروف أن مصر التي كانت سلة غلال العالم صارت اليوم أكبر دولة مستوردة للقمح علي مستوي العالم.. ولو كانت هناك رؤية استراتيجية للاهتمام بزراعة القمح ودعم المزارعين بفاعلية وإرشاد لما وضعنا أنفسنا في هذا المأزق.. وصارت أرواحنا في أيدي المستوردين الذين يجمعون لنا كناسة العالم من القمح الردئ ويبيعونه لنا بأعلي الأسعار.
الفلاحون في مصر مظلومون ومطحونون.. لكن صوتهم مكتوم.. وليس لهم من يدافع عنهم ويحمي مصالحهم بالدستور والقانون.. وهذا هو الفرق بين ما عند الفرنسيين وما عندنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف