المساء
مؤمن الهباء
لا يصح إلا الصحيح
من الواجب أن يكون حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الانتخابية دافعاً ليس لتصحيح هذا القانون وحده وإنما إعادة النظر في حزمة التشريعات والقوانين المثيرة للجدل التي صدرت أو تلك التي علي وشك الصدور.
من الواجب أن يكون حكم المحكمة درساً جديداً يضاف إلي تجاربنا السابقة للتأكيد علي أنه لن يصح في النهاية إلا الصحيح.. وأن استخدام التشريع أداة للاستقواء والمعاندة سوف يعيدنا إلي ظواهر سلبية كادت تندثر من حياتنا مثل ظاهرة "ترزية القوانين".. أو ظاهرة "القوانين سيئة السمعة".. وأيضاً في النهاية لن يصح إلا الصحيح.
كلنا يذكر أنه قبيل انتخابات 2010 أثير جدل واسع حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لضرب مرشحين بعينهم وتشكيل دوائر جديدة بمواصفات معينة لصالح مرشحين آخرين.. ورغم كل الاعتراضات التي أثيرت والاحتجاجات تغلب منطق الاستقواء وأجريت الانتخابات.. ثم كان ما كان.
عندما عرض إعادة تقسيم الدوائر من جديد العام الماضي.. وقيل إن الأمر مطروح للحوار المجتمعي قبل إصدار القانون.. ظهرت اعتراضات كثيرة.. ليس فقط علي تقسيم الدوائر وإنما علي قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية أيضاً.. ولكن تم تجاهل كل هذه الاعتراضات رغم تحذيرات عديدة من عدم الدستورية ومخاوف من حل مجلس النواب بعد انتخابه.. وخرج القانون كما أريد له.
والآن.. أقول إنه من الواجب أن يكون هذا درساً نستفيد منه.. كي تصدر التشريعات الجديدة متوافقة مع المنطق والعقل والإرادة الشعبية وأصول العدالة.. وأن يتم تصحيح ما خرج معوجاً من هذه التشريعات وما سيخرج.. وأتوقف هنا أمام نموذجين لما كان وما سيكون.
نموذج ما كان هو القانون الذي صدر مؤخراً يجيز للقاضي في الجنايات سماع الشهود أو عدم سماعهم.. وقد قيل في تبرير هذا القانون الجديد والغريب علينا أن الهدف منه سرعة الفصل في القضايا وعدم المماطلة والتأجيل.. لكن الاحتجاجات الواسعة التي استقبل بها القانون تتخوف من التأثير الذي سيحدثه في مجري العدالة.. والخلل الذي يمكن أن يقع من بعض القضاة وتكون نتيجته عدم حصول المتهم علي فرصة حقيقية وكافية للدفاع عن نفسه وإظهار براءته.
وقد قدمت حلول كثيرة لمسألة سرعة الفصل في القضايا دون المساس بحق المتهم ودفاعه في استدعاء الشهود الضروريين لضمان حصوله علي محاكمة عادلة.. صحيح أن العدالة المؤجلة والبطيئة ظلم.. لكن الصحيح أيضاً أن المحاكمات السريعة وإهمال الشهود ظلم بيِّن.. ودافع لاهتزاز ثقة الناس في مرفق العدالة بأكمله.. وهذا خطر كبير.
أما نموذج ما سيكون فقد حمله إلينا موقع "اليوم السابع" الجمعة الماضي بأن الحكومة تحيل 7 مواد تتعلق بجرائم الاختلاس والتربح والاستيلاء علي المال العام إلي لجنة الإصلاح التشريعي تمهيداً لإصدارها.. ومن بين تلك التعديلات نص يقول: "لا يجوز رفع الدعوي الجنائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق في جرائم إخلال الموظف العام عمداً بواجبات وظيفته بقصد الإضرار بأموال ومصالح الجهة التي يعمل بها أو أموال الغير أو مصالحهم المعهود بها لتلك الجهة إلا بطلب من رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه".
وهذا النص كما هو واضح يغل يد النيابة وكافة الجهات الرقابية الأخري عن اتخاذ أية إجراء للتحقيق مع أي موظف عام مهما اشتهر فساده وعم إلا بعد موافقة رئيس الوزراء أو من يفوضه.. أي بعد موافقة السلطة التنفيذية.. فهل هذا معقول؟!.. ألا يعني ذلك سيطرة السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية؟!
.. وما الأمر لو كان المطلوب التحقيق ورئيس الوزراء نفسه؟!.. هل أصبح لرئيس الوزراء أو من يفوضه حصانة في مواجهة القانون؟!
التراجع واجب.. والاعتراف بالحق فضيلة.. ولن يصح في النهاية إلا الصحيح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف