التقيت ببهاء السيد - للمرة الأولي - في القاهرة زارني في "المساء" شاب في حوالي العشرين. رياضي الجسد. طيب الملامح. عرفني بنفسه. وقدم لي قصة بعنوان "القرداتي".
أدركت تحمس بهاء لفنه. وحساسيته من الملاحظات النقدية. وإن تعرفت - في اللحظة التالية - إلي هدوء نفسي وطيبة. حين استمع. وسأل. وأجاب. وناقش. وأبدي موافقته علي حذف بعض الكلمات التي وافقني علي أنها زوائد في السرد القصصي.
تعددت لقاءاتنا.. وتنامت معها صداقة جميلة طرفها المقابل الخضري عبدالحميد والداخلي طه وبهاء السيد.
اجتذبني إلي الخضري والداخلي وبهاء ذلك الدور الرائد الذي قدما - من خلاله - عشرات المواهب الإبداعية. ليس في ملوي وحدها. ولا في المنيا فحسب. وإنما في كل أقاليم مصر.. جسر الاتصال رسائل مع الأدباء في المدن والقري. تنبض بمحاولات الإبداع والمناقشات. والتعرف إلي التيارات الفنية و النقدية.
ثم استضافني بهاء والخضري والداخلي في ملوي.. نزلنا - مجموعة من البدعين والنقاد الشباب - آنذاك - مهمومون بحب القراءة والإبداع والطموح إلي ما لم تتحدد بانوراميته في مخيلتهم بعد لاتسعفني الذاكرة بغير اسمي علي شلش وجلال العشري في فندق. يطل علي النيل وامتداد الكورنيش والجزر المتناثرة والمراكب ذات الأشرعة والأشجار العالية والجبل الشرقي.
ظلت المنيا عندي لأعوام طويلة.. هي ذلك الفندق الصغير المطل علي النيل في ملوي.
ثم زرت المنيا - للمرة الأولي - بدعوة كريمة من جمال التلاوي.. صادقت مبدعيها ومثقفيها. وأحببت المدينة.. ثم تعددت زياراتي بما يخطئه الحصر.. وكان حرصي - في كل زيارة - أن ألتقي ببهاء السيد أتفهم الحزن الذي يتخلل كلماته. عن غياب الأقاليم في خريطة الإبداع المصري.. ولم أحتج. ولا أبديت الاستياء لاتهامه لي - ذات يوم - بأننا - الراحل محسن الخياط ومحمد صدقي وكاتب هذه السطور - قد انشغلنا بأنفسنا. فغابت عن ذاكرتنا قضية العمل الثقافي في إقليم مصر.
إذا كان بهاء السيد قد حرص علي أن تكون ملوي هي المدينة التي يقيم فيها. ويكتسب الخبرات. ويتأمل. ويكتب. فإن الكثير من معطياته الإبداعية جاءت تعبيراً عن ذلك كله. حتي تلك التي تغيب عنها الذات والبيئة.. إنها محملة بالهموم الاجتماعية والسياسية. ويالاهتمامات الفكرية والأخلاقية والجمالية.. وقد حاول بهاء السيد من خلال السرد والحوار والتقنية. أن يضمن إبداعاته همومه واهتماماته. وأجاد ترتيب الاحداث. ودمجها. وصهرها. بما يضيف إلي فنية القص. كما لجأ إلي الكثير من الاستعارات والتلميحات والتشبيهات وتداخل الأضواء والظلال داخل الشخصية الواحدة. بما يعمق من الشخصية.
خاض بهاء السيد تجربة القتال.. شارك في حربي 1967 و1973 وعبر عن تجربته في الكثير من الإبداعات القصصية والروائية. أخطر ما في قصص الحرب ما قد تعانيه من الجهارة والمباشرة.. والبعد الإنساني هو الذي ينتزع عن الإبداع صفة المناسبة. فلا يزول بزوالها.. ثمة علاقات حب وكره وشوق إلي الأهل وخوف وتعاطف ومشاركة. شكلت ذلك العالم الذي أجاد بهاء السيد نسج خيوطه في الابداعات التي حاول من خلالها تصوير تجربته القتالية.