عباس الطرابيلى
هموم مصرية- يسقط.. الواد «بلية»
الشكوي مرة من عمال مصر، وبالذات الحرفيين:السمكرية، والصحي، والنجارين، والنقاشين والمبلطين.. وعمال المحارة.. وكل من يعمل بيده.. يعني الحرفيين الذين نحتاج إلي عملهم، حتي ولو كان بسيطاً.
وهم لا يمكن الاستغناء عنهم، وزمان، في عز الشباب، لم أكن أسمح بدخول أحد عندي- ومازالت- كل العدد والأدوات التي يستخدمها كل هؤلاء.. ولكن هناك فرقاً بين عمال زمان.. وعمال هذا الزمان.
<< كان العامل- المعلم- يعمل بيده، كان «أوسطي» وأوسطي من أستاذ..والمعلم كان اسماً علي مسمي: فالمعلم هو أستاذ الصنعة.. أما المساعدون فكانوا يحملون العدة، إلي أن يتقنوا الصنعة فيعلنوا استقلالهم.. الآن أصبحنا في عصر «الواد بلية» صبياً أو طفلاً دون السادسة من عمره.. كان حاملاً «للعدة» الآن.. المعلم «يفك» ويعاين.. ويلقي تعليماته للصبي «الواد بلية»! ليقوم بكل شيء.. حتي إعادة «تقفيل الشغل» ولو كان يعمل في سيارة! أما المعلم، أو الأوسطي، فيجلس «يسحب» في الشيشة حتي ولو كانت ورشته مجرد «بنك» في خرابة، فقط أصبحت مصر «عالماً من معلمين» لا يعملون وعالماً من جنس الواد بلية الذين يقومون بكل شيء.. حتي ولو كان صبي ميكانيكي أو كهربائي سيارات! بذلك انهارت دولة العمال الحرفيين ولذلك انهارت أصول الصنعة كما يجب أن تكون.. ولكن لماذا كل ذلك؟!
<< أصبح المعلم الحرفي يتفق علي العمل.. ويترك العمل للصبيان.. والويل لك كزبون ان أغمضت عينك عن المعلم، ومعظمهم- الآن- لا يحترمون المواعيد التي يحددونها هم أنفسهم، هذا ان جاء في الميعاد..ومعظمهم لا يجئ قبل أن ينتصف النهار.. لأنه يسهر معظم الليل ولا يستيقظ إلا متأخراً، وبذلك نجد أن العمل الذي يحتاج يوماً.. لا ينفذ إلا بعد عدة أيام.. وما يحتاج ساعة.. يستغرق عدة ساعات.
والويل لك أن تدفع للحرفي «كل أجرته» لأنك بذلك لن تحصل علي الخدمة التي تريدها.. خلاص، لقد قبض علي أجره.. واجري وراه ونصيحتي أن «تدخل عب الصنايعي» اجعله «في عبك» لأنه بمجرد أن يقبض سيتجه إلي عميل آخر يربط بجواره.. أقصد بجوارك.
<< وإياك أن تتعامل معه كتاجر وصنايعي في نفس الوقت.. رغم ان معظمهم باتوا تجاراً.. أكثر منهم صنايعية! حتي وان كنت لم تملك الوقت لشراء المواد التي تحتاجها حتي ولو كان متراً من الرمل أو نص شيكارة أسمنت! وخذوها مني نصيحة!
ومن ظواهر هذه الأيام، ان الصنايعي «يصلح» لك حاجة.. ليتلف لك حاجة أخري.. لكي يستمر في سحب أي مبالغ من سيادتك.. حتي ولو كان مجرد تصليح «سيفون حمام» أو تغيير جلدة حنفية.. أو محبس! ربما بحسن نية، يعني «غشومية» وربما بحرفية متعمدة.. وكله مكسب.. ما هو شايف «واحد بيه.. قدامه»!
<< والطريف ان معظم الصنايعية الذين يعملون الآن في شركات صيانة الأجهزة الكهربائية: تكييف، ثلاجة، غسالة، بوتاجاز.. يتخذون من ورش صيانة هذه الأدوات مجرد مكان لسحب الزبائن إلي ورشته الصغيرة.. أو إلي شنطة أدواته.. وهي كل ورشته.. وبذلك بات معظم هؤلاء ثابتين في شركات الصيانة اسماً.. ولكن أفضل الزبائن هم من يسحبونهم إلي شركتهم الخاصة.. وبذلك فقدنا نعمة خدمة ما بعد البيع، التي يجب أن تحرص عليها شركات بيع هذه الأجهزة.
<< ثم بعد ذلك نشكوا من تدني عمليات الصيانة.. ودفع ثمن قطع الغيار التي يجبرونك علي شرائها منهم مباشرة.. وليس من الشركات.. نقول ذلك لأن كل هؤلاء تحولوا إلي «معلمين كبار» ولم يعودوا يعملون بأيديهم..وهذا يطرح علينا ضرورة إعداد مراكز تدريب فنية «حقيقية» في كل الحرف، تخرج لنا «أوسطوات» حقيقيين يواصلون العمل بأيديهم.. ولا يتحولون إلي «باشمندسين» يتركون كل شيء للصبيان.. أو للواد بلية المعروف لنا.
<< مصر الآن تفقد «معلميها.. وأوسطواتها» ثم بعد ذلك نتحدث عن البطالة.. وعن أولاد الشوارع الذين هم الآن أساس كل ما نعانيه من ظاهرة.. الواد بلية.. هل يمكن أن يعود لنا عصر الأوسطي الحقيقي.. الذي يحرص علي إجادة عمله.. بأمانة وإخلاص؟.. أشك كثيراً.