الوطن
د. محمود خليل
المياه تجرى فى «الواقع»!
كلام ليس مفاجئاً، لكنه مزعج، قاله السيد عمرو موسى وزير الخارجية والمرشح الرئاسى الأسبق، فى إحدى ندوات معرض الكتاب، حول سد النهضة، ذكر فيه، أن طلب هدم سد النهضة تأخر كثيراً، وأن الأولى بمصر الآن البحث عن تدابير للتعامل مع الأزمة نوفر من خلالها المياه، عبر الاعتماد على مخزون المياه الجوفية، وإعادة النظر فى خريطة المحاصيل، وإعادة مشروع قناة «جونجلى»، بالإضافة إلى التفاهم مع إثيوبيا على فترة ملء السد. وأضاف أن مشروع سد النهضة قديم، وأن الإثيوبيين كانوا يفكرون فى سد قادر على تخزين 14 مليار متر مكعب، لكن بعد الأحداث التى شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، قررت بناء سد تخزن وراءه 74 مليار متر مكعب من المياه.

وجه الإزعاج فى هذا الكلام أن مسئولاً سابقاً بحجم «عمرو موسى» رسخت لديه قناعة بأن «سد النهضة» أصبح أمراً واقعاً، وأن على مصر البحث عن حلول لمشكلات المياه التى ستواجهها، بعيداً عن حصتها التاريخية فى النيل. هكذا قولاً واحداً، فحتى الحديث عن التفاهم مع إثيوبيا عن فترة ملء السد أصبح غير ذى قيمة، فى ظل سياسة الأمر الواقع التى يعتمدها صانع القرار هناك. والتسليم بالسد كأمر واقع يعنى التسليم بالبداهة بفترة ملئه التى ستقررها إثيوبيا، بغض النظر عن الأضرار التى يمكن أن تلحق بمصر. علينا أن ندبر أمورنا بعيداً عن إثيوبيا، اللهم إلا إذا كان لصانع القرار لدينا رأى آخر فى الموضوع.

تحدث الرئيس خلال افتتاحه مجموعة من المشروعات منذ ثلاثة أيام عن موضوع المياه، وقال إن الدولة تتكلف 40 مليون جنيه يومياً لتوصيل مياه الشرب إلى المواطنين، وأردف مخاطباً المواطن: «وانت بتفتح حنفية الميّه لازم تعرف الميه هتتكلف كام، ما تقولش الميّه أو الكهربا غالية عليا». نحن فى حاجة لترشيد المياه، وعلى المواطن أن يفهم أن المياه لم تعد سلعة رخيصة، بل هى سلعة غالية ومكلفة، والدولة تدفع ملايين يومياً لتنقية المتر المكعب الواحد اللازم للاستخدام. هذا ما يفهم من كلام الرئيس، وهو كلام يتوافق -إلى حد ما- مع ما طرحه عمرو موسى حول ضرورة اتخاذ تدابير لمواجهة المشكلات المحتملة على مستوى احتياجاتنا من المياه، مع التأكيد بالطبع على أن الرئيس كان يتحدث عن الموضوع فى علاقته بأعباء الدولة، وليس فى علاقته بسد النهضة.

من المهم أن نذكّر بأن الرئيس قال ذات يوم فى سياق علاجه لقلق المصريين من موضوع سد النهضة: «الأمور تسير بشكل جيد وأنا ما ضيعتكوش قبل كده عشان أضيعكوا تانى». جاء ذلك فى كلمته خلال تدشين المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان فى منطقة الفرافرة بالوادى الجديد. ونحن نصدق هذا الكلام بالطبع، لكن مَن يتابع الأداء الإثيوبى، سواء فى المفاوضات الثلاثية أو السداسية، يلاحظ أن ثمة إصراراً محموماً من جانب صانع القرار هناك على فرض أمر واقع على مصر، وعدم الالتفات إلى حقوقها التاريخية فى مياه النيل، أو تحفظاتها على ما سيلحقها من أضرار جراء السد. وهو إصرار أدركه دبلوماسى مخضرم مثل عمرو موسى، فضاق به صدره وانطلق به لسانه، ليؤكد المؤكد بأننا فى الطريق لقبول «أمر واقع».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف