حمدى الكنيسى
كلام من لهب ! «الحمار» و«الفيل» والسذاجة العربية
أذكر ويذكر كل عربي، وكل أفريقي، وكل مسلم أننا جميعا تابعنا بكل حواس اليقظة والاهتمام تطورات المعركة الانتخابية الرئاسية التي جرت في أمريكا منذ ما يقرب من ثمانية أعوام، وتمنينا ودعونا الله وقتها أن تحدث المفاجأة المنشودة وينجح ذلك الشاب الأسمر «أوباما» فهو الأقرب إلينا أصلا بجذوره الافريقية، واعتقادا ببداياته الإسلامية، ولونا بالسمرة أو بالسواد.. ثم انتشينا وهللنا عندما فعلها أوباما وصار بالفعل رئيسا للدولة المتربعة علي عرش العالم والتي بالتالي تملك معظم المفاتيح لكل القضايا الاقليمية والدولية، وفي غمرة سعادتنا تجاهلنا لدرجة التعمد ما هو معروف عن سياسة أمريكا التي تقوم علي حساباتها الخاصة، ومصالحها المباشرة حتي لو كانت علي جثة أقرب الأقارب لها، وبنفس المشاعر المتفائلة الطيبة رحبنا بقراره - أو رغبته - في أن يزور مصر ويتحدث للأمة العربية والإسلامية من «جامعة القاهرة»، ولم تهتز سعادتنا به عندما تسللت إلي خطبته المعدة باحترافية دقيقة كلمات تكشف جانبا من فكره ورؤيته ومغازلته للإسلام السياسي، ذلك لأننا كنا أسري للاعجاب به والثقة فيه، ولكن سرعان ما أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، فاكتشفنا أن من تحمسنا له، ورحبنا به جاء بمخطط جاهز عمل عليه من سبقوه إلي البيت الأبيض وهو مخطط «الشرق الأوسط الجديد» الذي يستهدف تمزيق وتفتيت دولنا العربية حتي تتحول إلي دويلات وكنتونات هزيلة تشتعل فيها الصراعات المذهبية والطائفية لتنكفئ علي وجهها لا حول لها ولا قوة، ولا تملك إلا الانبطاح تحت أقدام واشنطن وتل أبيب، والمعروف أن مصر هي الجائزة الكبري التي بسقوطها يتوالي سقوط وانهيار الدول العربية، إلا أن شعبنا العظيم أطلق «ثورة يونيو» المبهرة، واحتضنها جيشنا العظيم، ولم يحتمل «الأخ أوباما» صدمة سقوط «الاخوان» الذين بني عليهم حساباته وتم الاتفاق معهم مسبقا علي التعاون لدرجة التنازل عن مساحات كبيرة من سيناء لتنضم إلي «غزة» في كيان واحد بديل للدولة الفلسطينية وبذلك يتم الاجهاز نهائيا علي القضية الفلسطينية، وترتاح إسرائيل وتتفرغ لاستكمال مشروعها الاستيطاني بما فيه ابتلاع القدس وما يتبقي من الضفة الغربية.
ولم يكن مفاجئا أن يظهر الوجه القبيح الحاقد لسياسته، فأطلق الاتهام بأن ثورة يونيو ما هي إلا ا نقلاب عسكري، ثم بدأ حصار مصر اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وأوقف حصولنا علي ما نصت عليه الاتفاقات من أسلحة وطائرات حتي نعجز عن مواجهة التنظيمات الإرهابية التي خرجت من رحم الإخوان، لكن مصر - بدلا من أن تتمزق وتسقط فريسة لحرب أهلية - نهضت وحققت «خارطة الطريق» واستعادت دورها المحوري عربيا وافريقيا ودوليا، مما ضاعف من مشاعر خيبة أمله خاصة بعد أن لاحقته تهمة الفشل داخل أمريكا وخارجها. وقد يسأل سائل: لماذا أعود للتحدث عن أوباما.. والفجوة الهائلة بين توقعاتنا منه يوم دخل البيت الأبيض، وما رأيناه.. وعانيناه من سياساته؟؟
والإجابة هي: ببساطة ما نعيشه هذه الأيام في متابعة أخبار الانتخابات التي يخوضها المتطلعون لرئاسة أمريكا، إذ يبدو أننا نتأهب لتكرار ما يجسد سذاجتنا وطيبتنا، فنتصور أن السباق الانتخابي التقليدي بين «الحمار» و«الفيل» يمكن أن ينتهي بفوز من يحترم حقوقنا واتفاقنا الاستراتيجي، ويتخلي بالتالي عن المخططات التي نهشتنا أنيابها السامة في العراق وسوريا وليبيا والصومال، وبسذاجتنا التقليدية نتابع باهتمام الماراثون الانتخابي الذي يحدد من يخوض السباق النهائي من مرشحي الحمار «الحزب الديمقراطي» والفيل «الحزب الجمهوري»، فنجد بيننا من يتمني فوز «هيلاري كلينتون» لأنها اختلفت مؤخرا مع سياسة أوباما ولأنها علي الأقل «واحدة ست» ربما قلبها «يرق» ويحنو علينا، وهذا آخر يتابع أخبار «الفيل» ويدق قلبه رعبا وقلقا خشية أن ينجح ذلك الجمهوري المصارع المتهور «ترامب» أشد أعداء المسلمين!! ثم تتجه الأنظار صوب «تيد كروز» غريب الأطوار وا
وهذا من يفضل «بن كاريون» الذي يتبني سياسة الفيل (الجمهوري) في مواجهة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ويري أن «الإخوان» تنظيم إرهابي!
>>>
هكذا تشتعل المنافسة الانتخابية الأمريكية، وتشتعل سذاجتنا في المتابعة والقلق، والتمني بأن ينجح من يكون أقرب الينا من حزب «الحمار» أو حزب «الفيل» وكعادتنا ننسي ونتجاهل الحقيقة التي تقول إن السياسة الأمريكية البراجماتية لا تخضع لمشيئة وإرادة من يدخل «البيت الأبيض».. لان قراره لابد أن يعبر من «البيت الأكبر» وهو «الكونجرس» الذي يتبني السياسة الأمريكية التي تحقق أهدافها ولو علي جثة الأصدقاء والشركاء، ولعلنا لا ننسي ما فعله «أوباما» وما أعلنته «السمراء كونداليزارايس» عن الفوضي الخلاقة!!