الأخبار
عبد القادر شهيب
شيء من الأمل- إعلام السجادة الحمراء
أنا مؤمن بأنه لا يوجد عمل أو شخص يجب أن تكون له حصانة ضد النقد لاننا لسنا ملائكة أو أنبياء، ولكنني مؤمن بذات القدر أيضا أن للنقد أولويات، أي يتعين أن نتوجه بنقدنا لما هو الأهم والأجدر بالنقد فعلا حتي يكون لنقدنا جدوي وفائدة. وأنا علي يقين أيضا بأننا نستهلك قسطا من وقتنا وقدرا من جهدنا في نقد أشياء وأمور وأعمال وأشخاص ونبدد هذا الوقت والجهد مما يضيع علينا فرصة نقد ما هو أولي وأهم وأجدر من الأمور والتصرفات والأشخاص الذي يمكن أن يسهم في إصلاح عيوب حقيقية وتحسين اداء وزيادة الايجابيات والتقليل من السلبيات.
ولعل انشغال بعض وسائل الاعلام بما أسمته «السجادة الحمراء» التي ظهرت خلال افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي عددا من المشروعات في مدينة السادس من أكتوبر يعد نموذجا علي أهدار وقتنا في الاهتمام بأمور فرعية والانشغال بها عن الاهتمام بالامور والقضايا و الموضوعات الرئيسية والأهم.. بل أنه نموذج صارخ علي انقياد اعلامنا وراء بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
إن هذه المواقع صارت للاسف الشديد هي التي تحدد الاجندة اليومية لبعض وسائل أعلامنا، وأخشي القول لمعظم هذه الوسائل.. لقد باتت هذه المواقع الالكترونية هي التي تقود وتوجه العديد من وسائل إعلامنا المقروء والمسموع والمشاهد.. وتلك في حد ذاتها مشكلة كبيرة، لان هناك في هذه المواقع الالكترونية ما يحمل أصحابها ومن يديرونها أهدافا خاصة تتجاوز نطاق الاعلام ، وتحديد أهداف ذات طبيعة سياسية يبغون من ورائها إعادة صياغة الاوضاع السياسية في البلاد بما يلائم مصالح وأطماع قوي وشخصيات سياسية محددة.. ووسائل إعلامنا تسير وراء هذه المواقع بلا تبصر أو حتي دون أن تؤدي واجبها الاعلامي، والذي يقتضي منها تقصي الحقيقة و التدقيق فيما تنقله وتبثه علي شاشاتها أو عبر ميكرفوناتها أو علي صفحاتها. وفي ذات الوقت تنشغل وسائل إعلامنا هذه عن اداء واجبها الاساسي في تنوير الرأي العام من خلال تقديم المعلومات السليمة والصحيحة له، وفي نقد الاخطاء الكبيرة والخطايا الضخمة.. أي أن وسائل إعلامنا هذه بدلا من تنوير الرأي العام تضلله، وبدلا من القيام بدورها الاساسي في نقد ما يستحق من الاخطاء تشغل نفسها بتنفيذ أجندة معدة سلفا من قبل الذين يتحكمون ويديرون بعض مواقع التواصل الاجتماعي.
ألم يكن أجدي من أن تسير بعض أجهزة إعلامنا في ركاب مواقع تواصل اجتماعي فيما سمي «بالسجادة الحمراء» في افتتاح مشروعات جديدة بالحديث عن كيف تم تنفيذ هذه المشروعات وتدبير التمويل اللازم لها، وكم فرصة عمل حقيقية وفرتها؟، وكيف تتم الموازنة بين اختصار وقت التنفيذ وسلامة التنفيذ؟ وهل كل هذه المشروعات بدأ العمل فيها حقا أم أن هناك بينها مازال قيد الاعداد مثل حال المنطقة التكنولوجية في أسيوط؟ وهل التنفيذ تم خلال العامين الماضيين أم أن بعضها منفذ من قبل منذ سنوات؟ وهكذا.. الاعلام الجاد الذي يريد أن يؤدي دورا ناقدا ومفيدا للرأي العام يسلك مسارا مختلفا غير السير منقادا كالأعمي وراء بعض مواقع التواصل الاجتماعي؟
إن هناك العديد من الامور والقضايا التي تستأهل أن يهتم بها الاعلام أهم بكثير من ملاحقة ما يتفوه به بعض الشخصيات والذي لا يحمل جديدا أو شيئا مفيدا، ولا يسهم إلا في «تلميع» هذه الشخصيات، أو شغل الرأي العام بما هو تافة وسخيف وغير ضروري وغير مهم، مثل الحديث عن الممارسات الجنسية قبل الزواج!
نحن لدينا موضوعات مهمة تستحق الاهتمام الاعلامي أهم وأجدي من حديث «السجادة الحمراء» مثل تفكير بعض الدول في القيام بعمل عسكري بري في ليبيا وهو أمر بالقطع ستكون له أثاره علينا، ومثل إعلان المملكة العربية السعودية والامارات استعدادهما التدخل البري عسكريا في سوريا، وأيضا مثل مشاكل العيش المشترك التي تواجهنا هنا وهناك مجتمعيا والتي تتمخض عن مشروع إزمات وصدامات بين طوائف كتلك التي شهدناها في مستشفي المطرية و مستشفي طنطا، وهي كلها مشاكل لن نتجاوزها إلا بالحرص علي التطبيق الصارم للقانون ولكن قبله ومعه الاهتمام بنشر القيم الايجابية في المجتمع والاقتناع بضرورة العيش المشترك، وكذلك مثل بطء جهودنا في تصويب الخطاب الديني أو بالأصح في مواجهة التطرف الديني الذي مازال يخلق لنا وحوشا آدمية تنطلق في ربوع بلادنا تقتل وتخرب وتحرق وتدمر.
وإعلامنا لن يقوم بدوره المطلوب منه مجتمعيا إلا إذا التزم بالمعايير المهنية.. أو غلب هذه المعايير علي كل أعماله.. ولذلك يجب أن نتخلص من ذلك التلكؤ الذي أضاع منا أكثر من عامين لم ننجز فيها تشكيل ما نص عليه الدستور من انشاء كل من المجلس الأعلي لتنظيم الاعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للاعلام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف