محمد جبريل
ع البحري -نبيل علي ولغة العصر
كأننا أدركنا- بعد رحيل نبيل علي- أن مصر فقدت عالماً عبقرياً. يجب ان نلتفت إلي دوره المهم في حياتنا. ونشيد به.
إذا كان أستاذنا نجيب محفوظ قد وجد في العلم بديلاً عن الفن في حياتنا. حيث أصبح الفن- علي حد تعبيره- مثل الفشار لاقيمة له إلا في التسلية. فإن نبيل علي في كتبه ينتصر للعلم. وينتصر للفن كذلك. وأن عصر المعلومات الذي نحياه يفرض تآزر كل المنجزات الانسانية. فضلاً عن الوشائج القوية التي تربط تلك المنجزات باليقين الديني بما يضيف إلي حاضر الانسان ومستقبله.
لا أبالغ حين أعتبر كتاب نبيل علي "الثقافة العربية والمعلومات" من أهم ما اصدرته المكتبة العربية في العقود الاخيرة. تحدث عن الكومبيوتر والانترنت والعولمة والعالمية واكتشاف الذات ومسميات أخري كثيرة. قيمة الكتاب أنه يصل المسميات بمعناها. بالانجازات التي تحققت علي مستوي التقدم. والتي نسعي لتحقيقها: العلم بدلاً من الجهل. التصدير مقابلاً للاستيراد. الانتاج بدلاً من الاستهلاك. الحرص علي المحلية انطلاقاً إلي العالمية. استبدال الديالوج بالمونولوج. زيادة الترجمة من العربية وإليها. الصحيفة الالكترونية بديلاً للصحيفة الورقية. الحفاظ علي الشخصية في مواجهة الغزو الثقافي. مواجهة محاولة تشويه الثقافة العربية بالحقائق الموضوعية. إلخ.. بل ان قضايانا السياسية ومشكلات عالمنا العربي. وتطلعنا إلي زيادة مساحة هامش الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الانسان وغيرها. تتخلل ثنايا الكتاب. وتفرض نفسها بعداً مهماً في محاولاتنا لتجاوز التخلف الذي نحيا في إسارة منذ ما يزيد علي خمسمائة عام. فتصور!
المعلومات التي قدمها نبيل علي في كتابة أشبه بالوجبة المعرفية الدسمة. وإن لم تخل- في مواضع كثيرة- من الطرافة. تاهت الخطوط الفاصلة- علي حد تعبير الكاتب- بين الواقعي والمحتملي والخيالي. نتيجة للقدرة المذهلة التي توفرها تكنولوجيا المعلومات.
الكاتب يضع أيدينا علي العديد من الاخطاء القائمة والمحتملة. ومنها- علي سبيل المثال- تلك الغزوة الاعلامية التي جعلت اسرائيل من الانترنت ساحة لها. إنها غزوة تحفل بوفرة من الاكاذيب والدعاوي الباطلة والاساطير. وهو ما يحتاج إلي أفعال. وليس ردود أفعال. من الاعلام العربي الذي يتجه - حتي الآن للأسف- إلي الداخل. إلي نحن. بدلاً من أن يتجه إلي الآخرين. وبالتحديد إلي الرأي العام العالمي الذي يجدر بنا أن نعيد دراسة أساليب مخاطبته.
مثالاً ثانياً: وحدة الفنون تتجاوز- في تقديري- ما يتناوله بعض نقادنا من تداخل الوسائط الادبية. وحدة الفنون يفرضها عصر المعلومات. وإفادة كل فن من الفنون الاخري بما يحقق ثراء للإبداع الانساني جميعاً. والامثلة كثيرة.
هذا الكتاب يجب ان تتاح قراءته لطلاب المرحلتين الثانوية والجامعية. ليس بمجرد اقتنائه في مكتبات المدارس والجامعات- بالمناسبة. فإن اساليب اختيار رصيدها من المطبوعات يحتاج إلي مراجعة شديدة!- ولكن بإدراجه ضمن المواد التعليمية. إنه إطلالة جادة علي العصر الذي نحياه دون أن يعزلنا عن التراث. ويستشرق بقوة صورة المستقبل.