لم نكن في حاجة إلي تسريب من العميل الأمريكي المنشق إدوارد ستودن لكي نتأكد أن المخابرات الأمريكية والبريطانية بالاشتراك مع الموساد الإسرائيلي هم من صنعوا تنظيم داعش وسلموه وفتحوا أمامه الأفق ليتمدد في العراق وسوريا بدعوي الدفاع عن المسلمين السنة في مواجهة الخطر الشيعي.. ثم هم من شيطنوه وجعلوا منه "فرانكشتاين" المنطقة العربية.. وحشدوا الحشود لمحاربته.. والهدف واضح من البداية.. وهو خلق العدو البديل للعدو الأصيل "إسرائيل".. وصياغة معادلات واستراتيجيات جديدة في المنطقة تتغير فيها التحالفات وتتبدل.. وتكون فيها إسرائيل واقفة في خندق واحد مع العرب وأصدقائهم الغربيين ضد هذا العدو البديل.
حدثت هذه اللعبة كثيراً من قبل داعش.. فقد كان الاتحاد السوفيتي في فترة من الفترات هو العدو البديل.. وبالذات بعد غزو أفغانستان.. ثم كان المجاهدون العرب الذين صنعتهم أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والعربية هم العدو البديل بعد أن انتهت مهمتهم في أفغانستان.. بعد ذلك اتجهت الأنظار إلي تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن.. ثم في مرحلة تالية كانت إيران هي العدو البديل.. ثم حزب الله.. ثم صدام حسين والقذافي.. ثم حماس.. وأخيراً داعش.
هل هناك تركيز إعلامي عربي الآن علي إيران أو القاعدة أو حزب الله كما كان من قبل؟
لقد تم استهلاك هؤلاء الأعداء بعد أن أدوا دورهم المصنوع في مراحل تاريخية معينة.. وتحركت التحالفات كما تتحرك الرمال الناعمة.. وأصبحنا أمام عدو جديد.. مصنوع أيضاً ـ هو داعش الذي يجب أن تتركز عليه الأنظار وتجيش ضده الطائرات المقاتلة والإعلام التابع.. وتكون هذه أفضل مناسبة لتدخل إسرائيل في دائرة التحالفات العربية أو علي الأقل يتم التغاضي عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.. فقد صار لدي العرب العدو البديل.
يؤكد سنودن في تسريبه أن انشغال الدول العربية بصراعات داخلية وحروب أهلية بفعل فاعل لإلهاء العرب عن القضية الفلسطينية بقضايا أخري مصطنعة.. وقد استهدفت المخابرات الأمريكية والبريطانية بالتعاون مع الموساد من وراء تأسيس داعش إحداث نوع من الفوضي في معظم دول المنطقة.. لاسيما سوريا والعراق من أجل الحفاظ علي أمن إسرائيل.
ومما يؤسف له أن الخطة تسير بنجاح كامل.. فإسرائيل لم تشعر أبداً بالأمن مثلما تشعر به الآن.. وهي تستطيع أن تضرب في أي اتجاه تشاء دون تحسب لرد فعل.. وتعترف صراحة بأنها تنفذ غارات جوية داخل العمق السوري بالتنسيق مع سوريا لكنها لن تعمل علي إسقاط بشار الأسد.. ولم نسمع رداً عربياً أو سورياً علي هذا التصريح الفاجر.. بل وصل الأمر إلي التأكيد علي أنها لن تترك هضبة الجولان ولن تتراجع إلي حدود .1967
هذه هي إسرائيل الجديدة.. التي تتحدي العرب وتتحدي المجتمع الدولي بكل صفاقة.. ولم تعد تتسامح مع أي كلمة نقد توجه إليها أو نشاط للمقاومة داخل الأراضي المحتلة.. فقد صارت تشعر بقوتها وتعرف عجز الطرف الذي يواجهها.. ونجحت في ضرب السلطة الفلسطينية وحماس معاً وإسكات صوتهما.. فلا تفاوض ولا مقاومة ولا دولة ولا سلام.. هذه مرحلة انتهت.. الآن يقول بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل إنه يستطيع هدم المسجد الأقصي في أي وقت.. ولا تسمع لهذا التهديد أي صدي في العالم العربي والإسلامي.. ولا في العالم المتحضر الذي يملأ الدنيا صراخاً لأن داعش حطم بعض التماثيل الأشورية واليابلية في العراق.
وعندما تعلن دولة مثل فرنسا أنها ستدعو إسرائيل والفلسطينيين إلي جولة جديدة للمفاوضات.. وإذا رفضت إسرائيل فسوف تعلن اعترافها بالدولة الفلسطينية.. فيأتي الرد الإسرائيلي ساخراً من الرئيس الفرنسي ومتحدياً ومتهماً إياه بدعم الإرهاب.. بينما لم يصدر صوت عربي واحد يدعم الموقف الفرنسي.. بالضبط مثلما حدث مع وزيرة خارجية السويد ومع أي طرف يتعاطف مع القضية الفلسطينية.. وكأن العرب لم يعودوا رقماً في هذه القضية.. فقد صار لديهم عدو بديل.