الجمهورية
صلاح عطية
دعوة لمحاصرة سلبيات حادث جولي
مصر وإيطاليا تربطهما علاقات وثيقة. الشعبان يرتبطان بصداقة تمتد جذورها إلي ما قبل الميلاد.. وترتبط الحضارتان المصرية والرومانية ارتباطاً وثيقاً.. وإيطاليا أسهمت ولازالت تسهم بشكل كبير في دعم مصر ومساندتها.. والصداقة الوطيدة التي تجمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإيطالي ماثيو رينزي تضفي علي علاقات البلدين حيوية كبيرة.. كما ان الشركات الإيطالية العاملة في مصر أو مع مصر تعمل في جو من الود والصداقة نابع من الصداقة التاريخية بين البلدين علي امتداد العصور.. وكانت الجالية الإيطالية في مصر في فترة من الفترات من أكبر الجاليات.. كما ان فن العمارة الإيطالية ومهندسي العمارة الإيطاليين تنتشر أعمالهم في أنحاء مصر كلها. ولعل أقربها إلي الذهن معالم القاهرة الخديوية. فضلاً عن كثير من المساجد أيضاً التي بناها مهندسون إيطاليون.. انتهي الأمر ببعضهم إلي اعتناق الإسلام.. هذه مقدمة لابد منها لكي نتحدث عن موضوعنا وهو حادث مقتل الشاب أو الباحث والدارس الإيطالي جوليو ريجيني واظهار جثته. في قمة الاتفاقات المصرية الإيطالية علي العديد من المشروعات وبعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي بالوفد الإيطالي الاقتصادي الزائر في مطلع فبراير الحالي.. ويحدونا الأمل في ألا يؤثر علي علاقاتنا.. بحكم هذا التاريخ المشترك والعريق.
بداية لا نستطيع أن نجزم حتي الآن بطبيعة هذه الجريمة.. وهل هي جريمة جنائية عادية.. أم جريمة سياسية مقصودة لأسباب معينة.. ومن هنا سوف يكون حديثنا في إطار الظاهر منها.. وردود الأفعال الناشئة عنها.. والتي قد تشير إلي من كان وراء الجريمة في إطار قاعدة من "المستفيد من الجريمة".. وإذا تكلمنا عن المستفيد من الجريمة.. فهم بلا شك أعداء هذا الوطن في كل المجالات.. من اقتصاد وسياحة وبترول أيضاً.. والتوقيت هنا يشير إلي شكوك نرجو أن يظهر التحقيق حقيقتها..
فإيطاليا وشركتها الرئيسية للبترول "إيني".. قدمت لمصر أكبر كشف بترولي في العصر الحديث.. وهو كشف الغاز في حقل "ظهر" وبدأت عمليات الاسراع بتطوير الكشف ووضعه علي خريطة الانتاج واختصار الزمن لكي تجني مصر ثمار الكشف.. وإيطاليا ترتبط بمصر بعلاقات اقتصادية وثيقة.. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5 مليارات و180 يورو في عام 2014. منها 40% صادرات لمصر والباقي واردات من إيطاليا.. وكان المأمول الارتفاع بهذا الرقم إلي ستة مليارات في خلال عامين.
ومصر وإيطاليا كانتا تعدان للعديد من الاتفاقيات في مجالات متعددة يتم الإعلان عنها وتتويجها في زيارات لوزراء مسئولين في القطاعات الحكومية والاقتصادية من خلال مشاركة المستثمرين الإيطاليين في مشروعات عديدة.. وبالفعل جاء وفد إيطالي علي أرفع مستوي وتباحث في العديد من المشروعات التي سيقوم الجانب الإيطالي بتنفيذها أو تمويلها في قطاعات الري والكهرباء والبترول والصناعة بوجه عام وخاصة الرخام والأثاث والجلود فضلاً عن التنسيق لإنشاء خط ملاحي سريع يربط مواني مصر بمواني إيطاليا بما يسهم في نقل الصادرات والواردات بين البلدين.
وفي ختام الزيارة أمضي الوفد الإيطالي مع الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر من ساعة تم فيها التأكيد علي أهمية الاسراع في تنفيذ الاتفاقيات والمشروعات التي تم التفاهم حولها في هذه الزيارة وكذلك في زيارات سابقة..
ولكن كل هذا فجأة وبظهور جثة الشاب الإيطالي وعليها آثار تعذيب دخل في منحني جديد.. وأصاب الجميع بصدمة وسارعت وزيرة الصناعة الإيطالية فيدريكا جيوني بقطع زيارتها ومغادرة مصر مع وفد رجال الأعمال الإيطاليين..
هنا علينا أن نتساءل هل كان الحادث صدفة؟.. وهل توقيت إظهار الجثة للشاب الذي اختفي يوم 25 يناير الماضي. جري أيضاً بمحض الصدفة؟
في تقديري ان الشواهد تقول بأن هذا الأمر مخطط له جيداً.. فضرب المصالح المشتركة بين مصر وإيطاليا مستهدف منذ فترة. بعد التقارب والصداقة والحفاوة المشتركة بين رئيس مصر ورئيس وزراء إيطاليا.. ومن هنا كان نسف القنصلية الإيطالية الذي أعلنت داعش مسئوليتها عنه.. والذي لم يستطع أن يفسد العلاقات الوثيقة بين مصر وإيطاليا وقامت مصر بترميم وإصلاح مبني القنصلية.. ثم يأتي هذا الحادث الجديد في ظل الإعلان منذ فترة عن ترتيبات زيارة الوفد الإيطالي.. والترتيب بعده لزيارة رئيس الوزراء الإيطالي بنفسه علي رأس وفد أكبر.. فهل يمكن أن يكون ذلك كله صدفة.. ؟
لقد سارع الجميع بإدانة الحادث بطبيعة الحال.. ولكن الآثار السلبية تتفاعل ولا أحد يدري إلي أين تتجه الأمور.. بعد هدوء ردود الأفعال المباشرة.. ومواصلة التحقيق في الحادث الذي طلبت إيطاليا المشاركة فيه ووصل بالفعل وفد إيطالي لهذه المشاركة..
وفي مسألة التوقيت أيضاً. يأتي هذا الحادث. قبل أيام من انعقاد بورصة ميلانو السياحية.. ومصر أحد الشركاء الرئيسيين فيها.. وسوف تنعقد في 11 فبراير الحالي.. وسوف يكون موقفنا بلا شك حرجاً مع ظلال وأجواء هذا الحادث.. وقد تعودنا في سنوات المواجهة مع الإرهاب.. أن يسبقنا الإرهاب دائماً بحادث يتزامن مع يوم افتتاح مثل هذه المعارض السياحية المهمة.. أو يسبقه أو يتخلله.. بحيث يفسد المشاركة المصرية في المناسبة..
الأيام القادمة تحتاج إلي جهد كبير منا حتي لا يؤثر هذا الحادث علي ما تم الاتفاق عليه.. أو يؤثر علي الحركة السياحية الوافدة من إيطاليا.. خاصة وإيطاليا واحد من أكبر خمسة أسواق مصدرة للسياحة إلي مصر.. وسوف يكون مقياس نجاحنا في هذه المواجهة أن يتم الكشف عن أسباب الجريمة ومن وراءها.. وأن تمضي ترتيبات زيارة رئيس الوزراء الإيطالي في موعدها المقرر.. وأن لا يتعطل البدء فيما تم الاتفاق عليه مع الجانب الإيطالي.. وأن تتواصل معدلات السياحة الإيطالية.. وحما الله مصر وشعبها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف