محمد السيد عيد
الداخلية بين المطرقة والسندان - المصريون الآن يشعرون بمشاعر متناقضة تجاه الداخلية
حين يريد الحدّاد تشكيل المعادن يضعها علي قطعة حديد قوية تسمي السندان، ويدق عليها بالمطرقة. والداخلية الآن من وجهة نظري واقعة بين مطرقة الإرهاب وسندان ممارسات بعض أبنائها، وبين المطرقة والسندان تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه.
كلنا نعرف أن الشرطة منذ25 يناير كانت هدفاً للجماعة الإرهابية وأنصارها، والأسباب معلومة، فرجالها يعرفون اعضاء التنظيم الإرهابي واحداً واحداً، ولديهم ملفاتهم، وبياناتهم. لذلك كان من أولويات الجماعة القضاء علي أمن الدولة. وحين وصلت الجماعة للحكم أعلنت أنها تريد إعادة هيكلة الداخلية، وهذا هو الاسم المهذب لمشروع أخونة الشرطة. وبعد 30 يونيو اعتبرت الجماعة الشرطة خصماً رئيسياً لها، لأنها اختارت أن تقف مع الشعب. ولم تضع الجماعة وأعوانها سقفاً لممارساتهم الإجرامية ضد رجال الشرطة، ابتداءَ من الوزير محمد إبراهيم الذي حاولوا تفجير موكبه لآخر جندي مجند، وكلنا رأينا ما فعلوه مع ضباط قسم كرداسة فور فض اعتصامي رابعة والنهضة، وكيف أنهم لم يكتفوا بقتلهم بل سحلوهم ومثلوا بأجسادهم أيضاً، وحين قررت الداخلية اقتحام كرداسة لتحريرها من سيطرة الجماعة واجهتها الجماعة بالسلاح، وقتلت اللواء نبيل فراج وغيره، وواصلوا إجرامهم فقتلوا العقيد المرجاوي وهو يؤدي عمله في شارع الجامعة بأن فجروا فيه قنبلة عن بعد، وهاجموا الضباط وهم في الطريق لأعمالهم، مثلما حدث مع المقدم مبروك ضابط الأمن الوطني. وهاجموا الكمائن الثابتة، وفجروا القنابل في الأماكن التي يقف فيها رجال الشرطة. أضف إلي هذا ما يحدث يومياً في سيناء من مواجهات بين الإرهابيين والشرطة وما تقدمه الشرطة خلال هذه المواجهات من شهداء، وأضف أيضاً المواجهات التي تقع بين رجال الشرطة وبين « الذئاب المنفردة « وهم فئة المجرمين الذين يقومون بالأعمال الإرهابية بأعداد قليلة، ويلوذون بالفرار بعد ارتكاب الجريمة مباشرة.
إن الشرطة تدفع ثمناً باهظاً لأنها اختارت أن تقف إلي جانب مصر والمصريين في مواجهة الإرهاب، والمواطن المصري يقدر هذه التضحيات، ويعرف أن هؤلاء الذين يستشهدون يفدونه هو والوطن بأرواحهم.
إلي جانب ما تعانيه الداخلية من اعتداءات الإرهابيين تعاني أيضاً من الممارسات الخاطئة لبعض رجالها، وهذه الممارسات الخاطئة تمثل السندان الذي يعتصر الداخلية بينه وبين مطرقة الإرهابيين. وأظن أن سبب هذه الممارسات أن بعض المنتمين للشرطة نسوا درس يناير 2011، أو ربما كانوا يحاولون الانتقام من الشعب بسبب معاناتهم بعد انهيار الشرطة.
ممارسات الشرطة الخاطئة تبدأ بتقاضي عسكري المرور في الشارع للرشوة من المواطنين تحت تهديدهم بقدرته علي اتهامهم بمخالفة قوانين المرور، وتصل إلي حد القتل داخل الأقسام، مروراً بالتصرفات الغبية التي لا مبرر لها مثل قتل شيماء الصباغ، وما حدث مع الكاتبة التونسية آمال القرامي التي تركوها في المطار حتي قررت أن تعود لبلدها رغم أنها كانت مدعوة رسمياً من مكتبة الاسكندرية، وأن المكتبة أخطرت الأمن باسمها مبكراً، وأن هذه الكاتبة بالتحديد مؤيدة لما يحدث في مصر. ومن هذه التصرفات الغبية أيضاً القبض علي إسلام جاويش لأنه يرسم منتقداً النظام، وهو موقف استغله الإخوان وخصوم النظام ضد الداخلية، بل ضد النظام كله، وأعطاهم الفرصة لوصف ما يتم في مصر بأنه مكارثية بغيضة، ولم يستفد منه سوي إسلام جاويش نفسه، فقد نشر مركز بصيرة أن عدد الذين شاهدوا صفحة إسلام بعد القبض عليه بلغ مائة وعشرة آلاف زائر. ولعلنا تابعنا أخيراً المواجهة بين نقابة الأطباء وبين وزارة الداخلية بسبب اعتداء أمناء شرطة علي أطباء مستشفي المطرية، وهو يذكرني بما حدث من قبل مع نقابة المحامين حين اعتدي ضابط علي محامٍ.
إن المصريين الآن يشعرون بمشاعر متناقضة تجاه الداخلية، فهم من ناحية يقدرون تضحيات رجالها الشرفاء، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون ممارسات رجالها الخاطئة. وعلي الشرطة أن تصلح نفسها بنفسها، وأن تعرف أن الأنظار مركزة عليها، فهل يسمعني أحد؟