كان عمره عشرين عاما عندما صدمه الأطباء بحقيقة مرضه النادر الذي لم ينج منه أحد إلا نادراً .. فهذا المرض يلتهم الأعصاب ويشل العضلات بالتدريج ولا يعيش المريض عادة أكثر من شهور أو سنوات أقل من عدد أصابع اليد الواحدة في أحسن تقدير..!!
هو شاب ذكي أبدي نبوغاً غير عادي في علم الفيزياء لكن هذا المرض يهدد حياته كلها وليس نبوغه فقط فجأة ظهرت في حياته تلك الفتاة الجميلة التي احبته واحبها.. وكانت كلمة السر هي الحب.
ولأن المرض القاتل قوي جداً فهو لم يهزمه بالحب.. بل هزم آثاره.. توقف الشاب عن الكلام.. وبدأ يتنفس من فتحة في قصبته الهوائية شقها الأطباء.. ويتحرك علي كرسي متحرك.. لكن حبيبته كانت إلي جانبه تساعده.. تقف إلي جواره وانجبت منه في بداية حياتهما معاً ثلاثة أطفال.. واهتمت بأطفالهما حتي صاروا رجالاً. واهتمت بالأب وهيأت له الأجواء لكي يواصل نبوغه حتي اعتبره العالم اذكي عالم فيزياء بعد انشتاين وحصل علي أعلي الاوسمة في أمريكا.. وأعلي الدرجات العلمية في أرقي الجامعات كل هذا وهو لا يستطيع ان يعبر عن نفسه إلا من خلال عينيه وبمساعدة زوجتة حبيبته التي ظلت إلي جواره نصف قرن من الزمان تسانده وتدعمه ومازالت تحبه..
سألوه عن سر هذه القوة التي انتصرت علي المرض ودعمته ليرتفع إلي قمة العلم في الفيزياء قال بعينيه "حيث يمتلك جهاز كمبيوتر يترجم حركات عينيه باستخدام صوت مولد الكترونيا".. يقول انه الحب حقا.. انه الحب الذي يستطيع ان يساعد لتحقيق المعجزات.. ما لا يستطيع غيره ان يفعله.. انه الحب.. كلمة السر الإلهية التي ارتبطت بالروح.. وجعلها الله سراً من أسراره فقد جعل الله الروح من أمره وحده.. وجعل الحب الحقيقي سراً من أسرار الروح.. حب.. كلمة من حرفين فقط: حاء مضمومة وباء وكم من كلمات من حرفين أب.. أم.. أخ.. وقبلها رب.. حرفان فقط لكن لا حدود لهما من المعاني وبين الحرفين المعني الرائع للحياة.. تنبض بدقات القلب.. ويسمو بالروح.. وتمنح الحياة المعني والروح والبهجة والسعادة.
بالحب عرف الصالحون الله.. وكانت الرسالات السماوية عنوانها الحب.. وعندما أخبر الله الملائكة انه جاعل في الأرض خليفة سأله الملائكة: اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ ولأن الله يحب خلقه قال للملائكة: "اني اعلم مالا تعلمون" لأن الله جعل الحب هو سر رسالاته.. ولأن الله يحب خلقه فقد أحسن سبحانه وتعالي خلقه.. ولأن الله يحب عباده فقد غفر لهم وتاب عليهم وجعل لهم الدار الآخرة جنة ونعيماً وسر الحياة هو الحب.. حب الله.. وحب الحياة.. وحب الذات.. وحب الآخر.. كلها أسرار من الروح التي تسمو بالنفس البشرية فنجعلها نفساً لوامة.. تلوم نفسها علي الخطأ.. لتكون بعد ذلك نفساً مطمئنة..!!
الحب يصنع المعجزات.. وبالحب وحده يعرف الإنسان ذاته ويعرف من يحب.. ويعمل من أجل الحب وللحب وبالحب.. حب الوطن هو عنوان الوطنية.. وحب العمل هو عنوان الواجب.. وحب الأسرة هو أساس البناء المجتمعي السليم..
خلق الله الإنسان محباً بالفطرة لأبنائه لذلك وصي الابناء بالبر لآبائهم.. بل ان الله سبحانه وتعالي اوصانا بأنفسنا خيراً حتي نحب انفسنا حباً حقيقياً لأن الله يحبنا أكثر من حبنا لأنفسنا ولذلك فإنه يدلنا علي سبيل الخير حتي نتبعه وتكون لنا الجنة والنعيم والراحة وحتي نرضي فإذا رضينا رزقنا الخير كله.
تناولت الصحف العالمية قصة هذا العالم الأمريكي هذه الأيام بمناسبة عيد الحب الذي يحتفل به العالم يوم الاحد المقبل.
عيد الحب هو يوم عالمي يؤكد عالمية الكون.. فالذين يحتفلون به في أمريكا هم انفسهم الذين يحتفلون به في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وأوروبا.. لا فرق بين شخص هنا أو هناك في الحب.. لأن الروح واحدة ودقات القلب تنبض بارادة الله والصدق فيها لا يعلمه إلا الله.
من السهل ان تقول كلمات الحب ونغني مع المطربين بأجمل اغاني الحب ونردد ما يقوله الشعراء ولكن الحب ليس كلاماً أو غنوة.. الحب فعل.. الحب صدق في المشاعر.. وصدق في العطاء.. الحب احساس يجعل نظرات العين صفاء ونوراً.. ويجعل الحياة أحلي.. والعطاء راحة ونعمة.. حتي آلام العشاق ومتاعبهم احساس جميل احياناً لكن الغيرة هي الأسوأ لأن جحود الحب هو أسوأ جزاء يمكن ان يناله قلب صادق.
في عيد الحب كما يقول هواة الأرقام القياسية يشتري العشاق "200 مليون وردة حمراء" في هذه المناسبة.. فهل بالورود الحمراء يكون التعبير الصادق عن الحب..؟
تكلفة هدايا عيد الحب في العالم كما يقولون تصل إلي حوالي 20 مليار دولار.. فهل بقيمة الهدية يمكن ان نقيس الحب؟
من يسير في شوارع القاهرة يوم عيد الحب أو الأيام القليلة التي تسبقه يعتقد ان الحب هو شعارنا في الحياة.. ورد.. ودباديب.. ملابس حمراء.. حتي الأهلي فاز علي الزمالك لجعلها أياماً حمراء ايضا.. وتكون مسايرة للتعبير عن الحب.. ولكن اقرأوا معي هذه الأرقام:
** الطلاق يزيد في مصر بشكل مضطرد حتي ان بعض هواة الأرقام القياسية يقولون ان هناك حالة طلاق كل 6 ثوان ولو كان الرقم خاطئاً وهو خطأ أكيد فإن هناك من يقول ان هناك حالة طلاق كل 6 دقائق أي عشر حالات كل ساعة.. أي 240 حالة طلاق يومياً..!!
** نصف مليون شخص زاروا عيادات الطب النفسي الحكومية هذا العام.. أي ان 5 ملايين شخص علي الأقل في مصر مصابون بأمراض نفسية حيث يذهب واحد من كل عشرة اشخاص مرضي إلي طبيب نفسي في مستشفي حكومي طبقا لآراء الخبراء.
** تزايد معدلات بيع وشراء المخدرات بشكل كبير في السنوات الأخيرة ماذا تعني هذه الأرقام؟
هل تعني ان الحب مات بيننا ولم يعد هناك حب في زماننا.. وان الشباب يعاني من غياب الحب.. بل كما يقول بعضهم: موت الحب؟
الحقيقة ان كلا الوجهين صحيح جداً.. فالحب الصادق موجود.. وما يحدث في سوق الحب هذه الأيام تعبير عن الحب أو الرغبة في الحب أو تمني الحب.. أو البحث عن حب.. وبالطبع هناك حالات عديدة ـ كالعادة ـ للحب المزيف غير الصادق الذي يكون مجرد هدية وكلام فقط بلا فعل وبلا موقف .. حب "تيك أواي" كأشياء عديدة حدثت في دنيانا الآن بفعل العولمة وغياب الشفافية الحقيقية التي تصنع ثقافة الحياة وأساسها ثقافة الحب.
وفي نفس الوقت فإن الوردة الحمراء تعني الكثير لمن يحب بصدق.. وليس كل من يهديك وردة محباً أو حبيباً.. فالحب تفضحه عيونه وليست وردته.. !!
الحب ينطلق من نظرة العين وتترجمه الاحاسيس والمشاعر ويؤكده الفعل الصادق والموقف الإنساني الحقيقي.
المحب والحبيب يملكان قلباً صادقا ومشاعر إنسانية حقيقية وقادران علي فعل المستحيل فبالحب الصادق تستطيع ان تحقق الاعجاز في كل شئ.. من يحب ستصفو نفسه فيكون صادقا أمام ربه.. محباً لوطنه.. وصادقا مع المجتمع فيعطي.. "تعالوا نحب".. تعالوا نرفع شعار الحب بيننا وننهي حالة الرفض والخصام والكره فلم يعد أمامنا من سبيل إلا الحب.. فتعالوا نحب.. تعالوا نعيش أحلي واسمي أحاسيس خلقها الله فينا وهي الحب.
من يعرف الحب حقاً وصدقا.. يعرف الله ويعرف نفسه ويصنع المستحيل..!!
همس الحب
من شعر الحب الصوفي
** قال قوم: إن المحبة اثم
ويح بعض النفوس.. ما أغباها
ان نفسا لم يشرق الحب فيها
هي نفس لم تدر ما معناها
خوفوني جهنما ولظاها
أي شئ جهنم ولظاها
ليس عند الإله نار لذي حب
ونار الإنسان لا أخشاها
أنا بالحب قد وصلت لنفسي
وبالحب قد عرفت الله