الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية -الإرهاب المتأسلم.. في «برشامة»!
هذا كتاب تأخر صدوره كثيراً.. ولكن أن يصدر ولو متأخراً.. فهذا أفضل من ألا يصدر أبداً، بل أقول انه جاء لينير العقول ويفتح القلوب علي الصواب من أعمالنا.
الكتاب يروي لنا بكثير من العمق والبساطة معاً «تاريخ الإرهاب المتأسلم في مصر» لمؤلفه أحمد عز العرب، الرئيس الشرفي لحزب الوفد، وعضو هيئته العليا منذ عودة هذا الحزب العريق للعمل في عام 1984.. وهو من الجيل الذي عرف مصر بهويتها العربية التي كان يعيش علي أرضها المسلم والمسيحي واليهودي.
<< وميزة هذا الكتاب ان مؤلفه خاض تجربة فريدة، كان يبحث عن هوية وطنية وسط مجتمع تتلاطم فيه الأمواج، كان يبحث عن طريق يدخل فيه إلي العمل العام.. وكان هذا أسلوبنا ونحن في مطلع الشباب، والمؤلف هنا اتصل بجماعة الإخوان المسلمين وهم في أوج مجدهم، وذلك عام 1946.. وكان عمره وقتها في الثالثة عشرة من عمره، في مرحلة الدراسة الثانوية، وانضم المؤلف أحمد عز العرب إلي الإخوان المسلمين بشعبة السيدة زينب القريبة من منزل الأسرة.. وهو بالمناسبة سليل أسرة «عز العرب» الذي أطلقت الدولة اسم جده المحامي المشهور محمد عز العرب علي شارع المبتديان وتتوسطه دار النشر الشهيرة «دار الهلال» ويتقاطع مع موقع مدرسة السِنية الثانوية أشهر مدرسة أقيمت في عصر الخديو «إسماعيل».
<< المهم كان المؤلف- الشاب- وقتها- يبحث عن طريق، وكان يحرص وقتها علي الذهاب إلي مقر الجماعة أيامها في حي الحلمية للاستماع إلي الخطاب الأسبوعي لمرشد الجماعة المؤسس حسن البنا، والمؤلف هنا يقر بأن الاستعمار الغربي هو الذي أنشأ هذه الجماعة وتولي تمويلها ومنذ بدايتها عام 1928 في الإسماعيلية ومن هنا يروي أحمد عز العرب الحكاية: البداية، ويكشف المخطط والهدف والمطلوب.
والكتاب رغم قلة عدد صفحاته- 148 صفحة من الحجم الصغير- إلا انه كبير القيمة، عظيم الفائدة.. لأنه يؤكد ان هذه الجماعة ما قامت إلا لتضرب الدولة المصرية الحديثة، والليبرالية الوليدة، التي نشأت في أعقاب ثورة 1919 وبزوغ نجم الديمقراطية بقيادة حزب الوفد، ولاحظوا هنا أن هذه الجماعة نشأت بعد 5 سنوات فقط من أول حكومة مصرية شعبية منتخبة- هي حكومة الوفد بزعامة سعد زغلول، كما انها قامت وبعد نفس المدة تقريباً من إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية أيام كمال أتاتورك.. وبزوغ فكرة السيطرة علي المنطقة من خلال الدين الإسلامي.. مع تغذية ما كان يحلم به الملك «فؤاد» في أن يصبح خليفة للمسلمين.. أي التقت أحلام الشاب حسن البنا مع مخططات ضرب الليبرالية الوليدة الممثلة في حزب الوفد وأحلام ملك يطمح إلي الخلافة ومن هنا كان التمويل الانجليزي.. ثم ارتماء الجماعة في أحضان النازية الألمانية وصولاً إلي التعاون المطلق مع أمريكا.. وبالذات خلال سنوات الصراع الأمريكي الرأسمالي مع النظام الشيوعي الذي يقوده الاتحاد السوفيتي.
<< ويخوض الكتاب- بسلاسة السياسي المحنك- كشفه للتيار الإرهابي للجماعة منذ اشتد عودها.. وما عاشته البلاد من محاولات اغتيال نجح معظمها وتعثر بعضها.. وأشهر العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي عاشتها البلاد تحت مخططات هذا الإرهاب المتأسلم الذي تمثل في الجماعة.. ويكشف لنا المؤلف خبايا كل هذه العمليات الإرهابية ضد الساسة والقضاة وأيضاً رجال الشرطة.. ومحاولة الجماعة ركوب أي موجة وكل موجة تقربهم من هدفهم الأساسي.. وهو إضعاف السلطة المصرية.. تمهيداً للقفز علي السلطة نفسها.. ولأن المؤلف عاش كل هذه العمليات، فإن شهادته هي شهادة شاب عاش في قلب الجماعة وانبهر بها في البداية.. منذ منتصف الأربعينيات ثم سياسياً محنكاً حتي تجاوز الثمانينيات من عمره المديد، أطال الله عمره.
<< ولكن ما يلفت النظر أن المؤلف تجيء شهادته دامغة.. فهو المراقب لكل شيء.. حتي وهو خلال سنوات الشتات التي عاشها في السويد ثم عمله في العديد من دول شمال وغرب وجنوب أوروبا، وكان قريباً من الأحداث وبعين خبيرة كشف- ربما للمرة الأولي- الهدف الحقيقي لإنشاء هذه الجماعة وهو ضرب الدولة المدنية الليبرالية الحديثة ممثلة في حزب الوفد.. وهو أيضاً الذي ربط بين حلم الجماعة وأهداف الملك «فؤاد» وابنه الملك «فاروق» في ضرب الوفد وإحياء فكرة الخلافة لاستخدام الدين في السياسة، وهو أيضاً الذي وثق بين ارتماء الجماعة في أحضان الانجليز.. ثم النازية.. وأخيراً أمريكا.. وربما كانت الأخيرة وراء تمدد الإخوان خارج مصر إلي أي الدول المؤثرة في المنطقة: سوريا، والعراق، والأردن شرقاً.. وتونس غرباً.. والسودان جنوباً.. والهدف واحد: هو عرقلة نمو الديمقراطية والليبرالية.. والقضاء علي الدولة المدنية.. وإقامة الدولة الإسلامية.. أليسوا هم أول من قالوا «طظ في الوطنية المصرية» بل القبول برئيس غير مصري علي كل المصريين.
<< هو إذن كتاب صغير الحجم، عظيم القيمة.. ركز فيه مؤلفه لأفكار الجماعة التي زرعت الإرهاب السياسي في المنطقة كلها.. وهو كتاب بسيط كم أتمني أن تتولي وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي نشره وتوزيعه علي نطاق واسع في مدارس مصر وجامعاتها.. لأنه كتاب يروي الحقيقة كاملة لصراعنا الرهيب مع الإرهاب المتأسلم في مصر.
<< وشكراً للمؤلف المبدع قليل الكلام، عميق الفكر والوطنية أحمد عز العرب
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف