الأخبار
حلمى النمنم
جمال الغيطاني.. شهادة واجبة
احتفل معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته هذا العام، بالروائي المبدع والصحفي المواجه جمال الغيطاني، الذي اختير شخصية المعرض لهذا العام، وكم كان جميلاً لو أن ذلك الاحتفاء تم في حياة الغيطاني، غير أن إرادة الله كانت أسبق.
كان شعار المعرض «الثقافة في المواجهة»، وهذا المعني ينطبق علي الغيطاني، كروائي، ذهب بعيداً في كشف أغوار وخبايا المجتمع والشخصية المصرية منذ العصر المملوكي، حيث مكامن الاستبداد والفساد، كانت هزيمة يونيه 1967 كاشفة وكاسحة، وأحدثت هزة عنيفة داخل المجتمع كله، ذهب الغيطاني إلي الجذور، يبحث فيها عن معني الأزمة، فكان اختياره الحاسم طوال حياته، إلي جوار ذلك كان صحفياً ومراسلاً عسكرياً علي الجبهة طوال حرب الاستنزاف، تجربة الهزيمة ثم العمل علي الجبهة، جعلت منه حالة خاصة، هو ينتقد الوضع العام ويهاجم السلطة، لكن ليس من موقع التشفي ولا الانتقام، بل الرغبة في الإصلاح والنهوض والتقدم.
هو عاشق كبير لهذا الوطن، وامتلك جسارة الجهر بآرائه حتي لو أغضبت الكثيرين، أوخالفت الكثير مما هو سائد سياسياً واجتماعياً؛ ويبدو أن احتماله واختزانه لكل ذلك، أدي إلي أن يتوقف قلبه فجأة وفي لحظة، بينما كان يعكف علي عمله وكتاباته.
لا أريد أن أكتب عن الغيطاني روائياً، ولا عنه صحفياً، مساحة المقال لا تسمح بذلك، فقط أريد أن أقدم شهادة عنه من موقعي الآن.
في أبريل 2011، كان د.عماد أبو غازي وزيراً للثقافة، وكان موقع رئيس مجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبري شاغراً، منذ وفاة الراحل الكبير كامل زهيري، وظل الغيطاني في موقعه حتي نوفمبر 2014، حيث آثر المغادرة لأسباب قدرها ورآها.
كان الاختيار موفقاً تماماً، هو عاشق القاهرة، يعرف حاراتها وشوارعها جيداً، عشق قائم علي المعرفة والدراسة والخبرة، وقد تكون ذلك لديه من واقع نشأته بالقاهرة الإسلامية ومعرفته بدروبها وطرقها، وزود نفسه بالإطلاع الدائم والدءوب علي تاريخ القاهرة من مصادره الأساسية؛ لم يكن هناك من هو أفضل منه لشغل هذا الموقع.
حين اختير الغيطاني رئيساً لمجلس إدارة مكتبة القاهرة الكبري، نهشته بعض الأقلام هو والوزير آنذاك، تحدث البعض عن ضخامة المبلغ الذي يتقاضاه الغيطاني من هذا الموقع، كتب أحد الزملاء أن الرقم يصل إلي 24 ألف جنيه شهرياً، وارتفع زميل بالمبلغ إلي 36 ألف جنيه شهرياً، ومن حاول التهدئة هبط بالرقم إلي ثمانية آلاف جنية، أذكر وقتها أني التقيتُ الغيطاني، وكان متألماً مما يقال، وطالبته بالكلام لكنه لم يفعل.
أخذ هذا الموضوع وقتها الكثير من الأحاديث واللغط، وصار شاغلاً لمجالس النميمة، ونُشرت مقالات وآراء حول هذا الموضوع، واتهامات بالفساد و....، قيل الكثير ومعظمه متدن، لا يليق أن يقال في حق كاتب كبير، وبلا تدقيق.. لم يكن الغيطاني بحاجة إلي منصب ولا أي وظيفة، قيمته كمبدع تعلو علي أي موقع، هو طُلب إلي عمل عام وأداء واجب ثقافي، فاستجاب ولم يطلب أي شيء.
الآن أدركت لماذا لم يرد ولماذا آثر الصمت واحتمل ما يقال متألماً، لم يكن جمال الغيطاني يتقاضي أي راتب ولا حتي مكافأة من عمله لمدة ثلاث سنوات ونصف، ولا خصصت له المبالغ التي جري الحديث عنها، وما هو ثابت في أوراق وزارة الثقافة أنه كان يتقاضي مبلغ ثلاثمائة جنيه شهرياً بدل حضور جلسة مجلس الإدارة، وكان مضطراً لذلك، لأنه لو لم يفعل، فلن يصرف لبقية أعضاء مجلس الإدارة. لم يطلب الغيطاني أي مكافأة، ولا تحدث عن ذلك، البعض يباهي بضعف راتبه وقلة مكافآته، قيل فيه الكثير ومعظمه مسيء، ولكنه ترفع وسما عن تلك الصغائر، ومضي في طريقه..
ولأنه لم يتقاض أي أجر أو مكافأة، أتعب من جاء بعده.
الرجل في ذمة الله الآن، لكن هذه شهادة يجب أن تقال، لن أتحدث عن تدقيق المعلومة الذي يجب أن يحرص عليه الكاتب والصحفي، وفي ظني أنه لم يكن المقصود نشر معلومة، بقدر ما كان مقصوداً تشويه الرجل، وإن شئنا الدقة «التجريس»، ربما رغبة في التشويه، أو هي حالة من الحقد والحسد، وربما الغيرة، أنه اختير لهذا الموقع، وكان هناك من يشتاق إليه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف