كلما سافرت إلي قريتي "نكلا العنب" بحيرة واستمعت لشكوي أهالي القرية من تلوث مياه نهر النيل وامتناعهم عن أكل الأسماك التي أصبحت سامة وقاتلة ومسببة لأخطر الأمراض. تحسرت علي تراخي الحكومة وعدم قدرتها علي منع مصادر التلوث التي تعرفها جيدا وتفضل أن تغمض عينيها عن المشاكل وتضع في إحدي أذنيها "طينا" وفي الأخري "عجينا" لكي لا تستمع إلي صرخات أهالي القري المطلة علي النيل خاصة في محافظات الغربية والبحيرة وكفر الشيخ والتي تعتمد عليه في شرابها وطعامها ومصادر رزقها.
منذ أيام سافرت إلي القرية واتصلت بأحد الصيادين الأصدقاء وسألته: هل يمكن تناول سمك النيل خلال هذه الفترة؟
رد علي دون تردد: بلاش.. خليك في سمك القاهرة أو السويس أو أي مكان آخر بعيدا عن السمك الذي يتم اصطياده هنا لأن المشكلة لاتزال قائمة ومصانع كفر الزيات دمرت حياتنا وحرمتنا جميعا من تناول سمك النيل الذي كان أحد سمات القري المطلة علي النيل وأحد مصادر غذائها.. ورغم صرخاتنا وتصريحات المسئولين بمنع صرف المصانع في النيل إلا أنهم جميعا يكذبون علينا ويلحقون بنا الأذي في أرزاقنا وفي صحتنا!!
ما يقوله صديقي "الصياد" صحيح وقد خرج علينا شيخ صيادي إدفو في إحدي الفضائيات منذ أيام علي خلفية الأسماك النافقة في النيل ليصرخ هو الآخر من تلويث مصانع كفر الزيات للنيل وتدميرها للثروة السمكية وتلويثها للنيل الذي نشرب منه ونأكل المنتجات الزراعية التي تروي منه.. وهذه الصرخات لا صدي لها عند المسئولين في وزارة شئون البيئة المسئولة عن مكافحة التلوث.. أو وزارة الري والموارد المائية المسئولة عن نهر النيل.. أو وزارة الصحة المسئولة عن صحة المصريين.. أو مجلس الوزراء الذي شكل لجنة مؤخرا للتأكد من سلامة غذاء المصريين بعد أن أحاط به التلوث من كل جانب.
كل يوم نتغني بالنيل ونعلن عدم التفريط في حقنا منه واستعدادنا جميعا للتضحية بكل غال ونفيس منه والتحذير من مؤامرة أثيوبيا ضد حقوقنا التاريخية في مياه هذا النهر العظيم الذي يعد شريان حياة المصريين.. لكننا للأسف ندمره بإهمالنا وعشقنا لحياة التلوث والإهمال واللامبالاه ليس علي المستوي الشخصي فحسب.. بل علي المستوي الحكومي حيث تخلت الحكومة عن حراستها لنهر النيل ولم تعد تري سوي جريان المياه به.. أما نوعية هذه المياه وما إذا كانت سليمة وصحية أو قاتلة للإنسان والحيوان والأسماك.. لا يهم!!
أدعو المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء إلي تكليف مكتبه بطبع نماذج من الموضوعات الصحفية التي تناولت التحذير من تلوث مصانع الصابون والكيماويات بكفر الزيات لنهر النيل والموجودة علي "جوجل" ومشاهدة صور أطنان الأسماك النافقة والعائمة علي سطح المياه في المحمودية والرحمانية وإدفو وغيرها من القري المطلة علي النيل وقراءة صرخات المواطنين في المنطقة علي مدي السنوات العشر الماضية دون أن تتحرك الحكومة وتوقف هذه المهزلة وتحمي صحة مواطنيها من أخطر مصادر التلوث.
كما أدعو رئيس الوزراء إلي تكليف لجنة صحية لأخذ عينات من مياه النيل من محيط مدينة كفر الزيات وما بعدها ليقف علي حجم المصيبة التي تفعلها هذه المصانع البدائية التي لا يهم القائمون عليها بالطبع صحة المصريين بقدر ما يهمهم تحقيق أرباح والحصول علي حوافز ومكافآت والاستمرار في مواقعهم القيادية.
من العبث ترك مصنع يعمل ويلوث النيل بمخلفاته ويحقق أرباحا تافهة أو من أجل استيعاب عشرات من العمال والموظفين.. ثم يتسبب هذا المصنع في تدمير صحة الآلاف من المواطنين ويتم ترميم صحتهم المتهالكة بأدوية وعلاجات تزيد تكلفتها السنوية عن قيمة هذا المصنع.
أكثر من عشرة ملايين مواطن في محافظات الغربية والبحيرة وكفر الشيخ ينتظرون إجراء سريعا من رئيس مجلس الوزراء.