يقال إن كسوف الشمس يحدث عندما يقع القمر بين الأرض والشمس، والكسوف أنواع: الكلى الذى تحجب فيه الشمس كلية، ومنه الجزئي والحلقي، وعند وقوع الكسوف يتم التحذير من النظر بشكل مباشر إلى الشمس لخطورة الأشعة البنفسجية على النظر، هذه الظاهرة حدثت أيام الرسول، والروايات لم تحدد لنا كان الكسوف كليا أم جزئيا، لكنها وصفت وقعها على المسلمين، حيث دب الرعب فى قلوبهم، وعللوا الكسوف بموت إبراهيم ابن الرسول عليه الصلاة والسلام، وأهمية هذه الواقعة فى الفكر الإسلامي أنها حددت لنا متى دخل مصطلح عذاب القبر أو فتنة القبر إلى الفكر الإسلامي.
الواقعة روتها السيدة عائشة رضى الله عنها، ذكرت فى البخارى (كتاب: الجمعة) عن طريق عمرة بنت عبدالرحمن(29: 98 هـ): ان يهودية ( متسولة وقيل خادمة ) جاءت تسألها(تسأل السيدة عائشة) فقالت(اليهودية) لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) أيعذب الناس في قبورهم؟، فقال رسول الله عائذاً بالله من ذلك، ثم ركب رسول الله ذات غداة مركباً فخسفت (يقصد كسفت) الشمس، فرجع ضحي، فمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر ثم قام يصلي وقام الناس وراءه فقام قياماً طويلاً ثم ركع ركوعاً طويلا ً( وصفت عائشة الصلاة )، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر، الحديث بنصه عند مالك والدارمي في الصلاة، ومسلم والنسائي: الكسوف، وأحمد: باقي مسند الأنصار، وقد جاء فيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: اني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، وهذه الواقعة رواها مسروق عن عائشة ( البخاري والنسائي: الجنائز، وأحمد: باقي مسند الأنصار ) وأجاب الرسول فيه عن سؤال عائشة بقوله: نعم، وفي مسند أحمد قال: حق، وفي النسائي أنكره وقال: إنهم (اليهود ) ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم.
نخلص من الواقعة بعدة نقاط، الأولى: إن اليهودية (الخادمة أو المتسولة) هي التي أدخلت هذا المفهوم لأول مرة إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام، الثانية: إن زيارة العجوز لبيت الرسول تمت في السنة العاشرة بعد الهجرة، فقد اقترنت بواقعة كسوف الشمس (انظر: طبقات ابن سعد والسيرة النبوية ) ، حيث شهدت الجزيرة العربية هذه الواقعة بعد وفاة إبراهيم نجل الرسول عليه الصلاة والسلام، والذي توفي يوم 29 ربيع الأول سنة 10 هجرية، الموافق يوم 6 يوليو سنة 631 ميلادية، واعتقد المسلمون حسب ذكر ابن سعد في طبقاته: ان الكسوف قد حدث بسبب موت إبراهيم، وقد أنكر الرسول، وأكد أنها آية وليست مرتبطة بموت أحد، الثالثة: إن الروايات لم تحدد ما الذي يقع في القبر على وجه التحديد، حيث تراوحت بين العذاب والفتنة، الرابعة: أن الرسول عرف لأول مرة ما يحدث فى القبر قبل موته بشهور، فالثابت تاريخيا أنه عليه الصلاة والسلام توفي في السنة التالية لموت ابنه إبراهيم، أي بعد وفاة إبراهيم بحوالي عشرة أشهر، حيث توفي إبراهيم في شهر ربيع الأول سنة 10 هـ، وتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين ربيع الأول سنة 11 هـ.