مصطفى شفيق
من قلبى .. العودة للمدارس بعد نصف العام ... مكروهة
لو وضع الأكاديميون وحدهم دراسة لتطوير التعليم سنصل إلى أسوأ مما نحن فيه
مثل أى حاجة فى حياتنا يأخذنا الجدل العقيم إلى اللاشىء ... والجدل هذه المرة عن التعليم... عن العودة إلى المدرسة ... إجازة نصف العام انتهت ... الوزارة أكدت فى أكثر من تصريح أنه لا تفكير فى تأجيلها ... سيبدأ النصف الثانى من العام الدراسى الأحد لقادم ... التلاميذ والطلاب أكثر الناس نكداً بسبب العودة إلى المدرسة ... من لا يصدق يلقى نظرة على الفيس بوك ... على انستجرام ... يتلصص على أحاديث الطلاب والتلاميذ ... العودة للمدرسة هم ... وغم ... واكتئاب ... أو بلغة الأجيال الرافضة «العودة للمدرسة خنيقة».
فائدة هذا النقاش أن نعرف من أين نبدأ فى إصلاح التعليم ... الحديث عن تغيير المناهج قد يصلح المادة العلمية ... قد يساهم فى خلق أجيال أكثر استيعابا ... لكنه لن يحبب التلاميذ فى المدرسة ... لن يجعل المدرسة جميلة ولا الذهاب لها مرغوبا ... الحديث عن المناهج ... وتطويرها بلح ... يعنى غير مجد وحده ... أزمتنا فى التعليم أننا فرضنا كراهية المدرسة على التلاميذ ... فرضناها بالمناهج المتخلفة ... والمدرسين النمطيين ... والمدارس الضيقة ... والأنشطة الصورية ... والسكوت عن الدروس الخصوصية ... والسناتر ... وهذه الأخيرة وحدها تحتاج دراسة متأنية ... ليس حقيقيا أن التلاميذ يلجأون إليها لأن المدرس لا يشرح فى الفصل ... أو ليس هذا هو السبب الوحيد ... فى السناتر لغة يفهمها التلاميذ ... وفى السناتر موعد الدرس على جروب الفيس ... والواتس ... الحوار مع المدرس يدور بالوسائط التى يحبها التلاميذ ... بوسائل الاتصال التى اختاروها ... لا طباشير فى السناتر ... لا واجبات ولا جرس لإنهاء الحصة ... وفى السناتر المدرس محترم ... صديق التلاميذ والطلاب ... هو نفسه المدرس الذى يجرى التلاميذ فى المدرسة من حصصه ... يسعون خلفه فى السنتر ... القضية ليست زحام الفصول ... فبعض السناتر يحضرها مئات ... كلهم يفهمون ... وكلهم يدفعون ... ومعظمهم يسألون ويتلقون إجابات ترضيهم ... المدرس فى المدرسة فقد احترامه واسترده فى السنتر ... إذا أردنا أن نطور التعليم علينا بدراسة هذه الظواهر ... إذا أردنا أن نخلق علماء الغد فى المدارس يجب أن ندرس أسباب الفرار منها ... حتى هذه الدراسة التى ندعو إليها يجب أن تبتعد عن الكلام الأكاديمى الجامد ... الكلام المكرر لم يدلنا علي طريق النجاح ... الدراسات التربوية غير كافية لخلق منظومة تعليمية ناجحة ... تلاميذ المدارس هم الحقل الذى سينتج لنا صناع المستقبل ... ولو وضعنا دراسة من خلال الأكاديميين لتطوير التعليم سنصل إلى ما هو أسوأ مما نحن فيه اليوم ... تطوير التعليم يبدأ من الحديث مع التلاميذ ... وينتهى بتطويع العلم لما يريدون ... تطوير التعليم مرفوض ... لكن تطوير العملية التعليمية مطلوب وبقوة ... العملية التعليمية ليست المناهج والأبنية والحديث عن التزام المدرسين بالمنهج ... لكنها تضم أيضا حوش المدرسة ... مكان المرح واللعب ... الطابور الصباحى وتحية العلم ... الإذاعة المدرسية ... حصص الرسم والموسيقى والتدبير المنزلى ... جداول حقيقية يستفيد منها التلاميذ وليست حصصا على الورق يخرج خلالها التلاميذ للعب الكرة فى الشارع ... العملية التعليمية كتاب جيد ... وقلم مصنوع فى مصر ... وكراسة ليس عليها أحد رموز الغرب.. ولا علم دولة أجنبية ... حقيبة مدرسية خفيفة توحى أن حاملها مصرى يتعلم فى مدرسة فى قلب مصر ... وزير التعليم – كل وزير تولى المسئولية - يحدثنا عن خلق الانتماء فى التلاميذ وكلهم يحملون حقائب مرسوم عليها علم دولة ... المدارس نفسها تكتب اسمها بحروف غير العربية ... صدور التلاميذ تحمل شارات فرنسية أحيانا ... ألمانية ممكن ... إنجليزية غالبا ... أما العربية فممنوع استعمالها.
إذا كنا جادين فى السعى لإعادة بناء مصر فعلينا بالتعليم ... كل العلماء المصريين فى الخارج أجمعوا أن التعليم فى مصر متخلف جدا ... عقيم جدا ... مهترئ جدا ... فاشل جدا ... اجتهادى جدا ... فكل وزير له رؤية خاصة ... تتنافى ... وتتعارض ... تتقاطع مع رؤية سابقه ... ولاحقه ... السابق يضع خطة ... واللاحق يبدلها ... والحالى ينسفهما .... كلهم جرب ... كلهم استعان بصديق ... وكلهم فشل فى تحقيق التطوير ... لكنهم نجحوا فى صرف مكافآت التطوير الفاشل ... كلهم حصل على لقب وزير سابق لكنه لم يجد من يسأله عن الإنجاز ... وبقى التعليم مستمرا فى تقهقره ... لأنهم كلهم كانوا يعملون بسياسات الترقيع ... سياسات سد الفتحات بقطع من القماشة البالية ... كلهم كان يعلم أن التعليم يمس كل بيت ... وثورة أولياء الأمور قلق ... والوزير مش عايز قلق ... الهدوء يعنى نجاحه ... حتى الأسئلة المميزة للطالب النابه نلغيها استجابة لثورة الطلبة ... خوفا من دموع الطالبات ... خشية أن يكون بين التلاميذ ابن لمسئول ... أو إعلامى ...أو نائب فى البرلمان ... هكذا قال علماؤنا النابهون فى الخارج ... كلامهم كله صحيح ... مخرجات التعليم تزيد أزمات الدولة ... تعقد حياة الشباب ... تمنحهم شهادات جامعية وتطالبهم بالبحث عن أى مهنة ليتعلموها ... جامعاتنا مزدحمة ومراكز التدريب التحويلى خاوية ... الخلل كبير والحلول متواضعة للغاية.
كنا قديما نحب المدرسة ... كلنا كان يحبها ... البليد والشاطر ... لم يكن بيننا من يكرهها ... لم تكن لدينا كل هذه الرفاهية التى يتمتع بها أبناؤنا ... كنا نخاف مدرسينا ... أو نحترمهم ... أو الاثنين معا ... كنا نحيى العلم بصوت جهور ... كنا نشارك فى النشاط لأن المدرسة كانت مملوءة بالأدوات ... وكان مدرسونا يحبون عملهم ... ويحبون أن يصنعوا منا وفينا مواطنا صالحا ... كنا نتعلم بمبدأ التعليم للحياة ... وبناء الانسان ... لصناعة المستقبل ... وليس للدفع بخريجين جهلاء ... إنها معركة ... حرب نخوضها ضد التخلف ... لتصبح مصر « أد الدنيا بجد».
تباريح
من علمنى حرفا صرت له عبداً ... المهم يعلمنى