حتي بابا الفاتيكان فرنسيس باياب غضبان من الربيع العربي ورافض له.. ووصفه بأنه مقامرة!!
لماذا يا بابا الفاتيكان؟!
* لأن الربيع العربي قاد الغرب إلي التدخل العسكري في شمال افريقيا - مثلا - ومازال الغرب يدفع ثمنا باهظا لذلك.
ونقلت "الجمهورية" يوم الثلاثاء الماضي جانبا من حديث للبابا طالب فيه الغرب بأن يوجه لنفسه نقدا ذاتيا من ناحية الربيع العربي.. وقال ان التدخل العسكري الغربي في شمال افريقيا وما يسمي بالربيع العربي كانا مقامرة يدفع ثمنها باهظا.. وفي شأن الربيع العربي والعراق كان يمكن تصور ما يمكن أن يحدث مسبقا وكان هناك تقارب جزئي في التحليل بين الفاتيكان وروسيا.. ومن الأحري بنا ألا نبالغ لأن لروسيا مصالحها الخاصة.. ودعا البابا إلي التفكير بليبيا قبل وبعد التدخل العسكري.. وقال كان هناك شخص واحد "القذافي" والآن هناك خمسون - علي الغرب أن يجري نقدا ذاتيا لنفسه.
ولا شك ان البابا يعرف - كما يعرف العالم كله - ان الربيع العربي المتفائل الضحوك تحول إلي شتاء قارس ملبد بالغيوم وإلي رعد وبرق لأسباب عديدة.. أهمها بالطبع التدخل الغربي - العسكري وغير العسكري - فما كان للغرب أن يترك العرب ينجحون بربيعهم الثوري "السلمي" ويصلون به إلي بر الأمان ويحققون الآمال العريضة التي حملها شبابهم في مطلع 2011 من دون أن يتدخل لتلويث هذا الربيع واحباطه وتفريغه من مضمونه.. حتي لا يجد العرب أمامهم إلا أحد طريقين: اما السقوط في هاوية الاحتراب الأهلي والطائفي أو العودة إلي المنظومة الاستبدادية التي كانت سائدة قبل .2011
لقد أشاد الغرب بشباب الربيع العربي الذي أمسك بلحظة تاريخية نادرة.. وعبر عن أشواقه في احداث تغيير سلمي جذري ليعيش المستقبل مثل كل شعوب العالم المتحضر في سلام وأمان وديمقراطية حقيقية.. في حرية وكرامة وعدالة اجتماعية.. لكن الغرب ما كان ليسمح بهذا التحول الهائل ان يحدث ليغير وجه الحياة في المنطقة العربية.. ويغير التحالفات.. ويقلب الدنيا رأسا علي عقب.. خصوصا انه يدرك جيدا ان الديمقراطية الحقيقية التي قد تطبق هنا ستضر بمصالحه قطعا هناك.. وان وجود زعامات مستقرة في منظومة الفساد والاستبداد والتبعية أقل كلفة من زعامات شعبية تأتي بانتخابات نزيهة وتحاسب أمام شعوبها.. ومن ثم كان لابد من تلويث الربيع العربي وتشويهه وادخال المنطقة كلها في حوارات التكفير والتخوين وصراعات طائفية مسلحة.
لا يمكن أن تلوم البابا علي كراهيته للربيع العربي ورفضه.. فكثير من أبناء جلدتنا يكرهونه ويرفضونه.. وحتي بعض من شاركوا فيه وتحمسوا له وتمسحوا بجدرانه يوما ما صاروا الآن ناقمين عليه.. متربصين بمن يجازف بذكر كلمة "ثورة".. فالثورة أصبحت كريهة في قاموسنا.. أصبحت عنوانا لخيانة الوطن والرغبة في تفتيته وتقسيمه بعد أن كانت أمل الجماهير وحلمها في العيش والحرية والكرامة والعدالة.
وليس الغرب وحده المسئول عن هذا الانقلاب الكبير الذي حدث في مفهوم الربيع العربي.. نحن العرب مسئولون في الأساس.. من خان ومن تآمر ومن فشل ومن استجاب يجهل لفكرة عسكرة الثورة وحمل السلاح.. كل هؤلاء ساعدوا علي احباط الربيع العربي أساءوا إلي الثورة.. ناهيك عن أصحاب المصالح الذين جاءت نسائم الربيع لتغييرهم فكانوا أشد منهم ونجحوا في تسميمه.
نعترف يا قداسة البابا.. نحن أمة مفعول بها منذ زمن بعيد.. وأنتم فاعلون مقتدرون وعلي الغرب فعلا ان يمارس نقدا ذاتيا ويعتذر عن التدخل العسكري.. لكن لا أحد يستطيع إجبارنا علي الاعتذار عن الربيع العربي.. الربيع الذي سيظل حلما جميلا.