الصباح
حلمى النمنم
١٠٠ شخصية دولية تكشف خطايا هيومان رايتس ووتش
*المنظمة الحقوقية سكتت عن جرائم الأمريكان فى العالم ولم تفضح طائفية المالكى وجرائم قرضاى
*جرائم الـ«CIA» أدانها الكونجرس دون إشارة لها من المنظمة العاملة وفق التوجهات الأمريكية
*«هيومان رايتس» مثل منظمات أخرى عديدة ذراع للولايات المتحدة فى إطار ما يسمى بـ«القوة الناعمة»
*السكوت عن حلفاء واشنطن أبرز خطاياها

هاجم مائة شخصية دولية منظمة «هيومان رايتس» الأمريكية، انصب الهجوم على أن المنظمة تغض الطرف وتتجاهل التجاوزات الأمريكية تجاه حقوق الإنسان فى مناطق عديدة من العالم، مثل أفغانستان والعراق وغيرهما، وأن المنظمة صمتت عن تجاوزات ارتكبتها المخابرات الأمريكية ومجازر فعلتها القوات الأمريكية فى العراق، منطقة الفالوجة تحديدًا وسجن أبو غريب وغيرهما، وبغض النظر عن هذا البيان فإن المخابرات الأمريكية اعترفت من قبل بتجاوزات وقعت فيها، وأدينت من الكونجرس فى تقرير شهير، لكن منظمة «هيومان رايتس» لم تتوقف أمام ذلك ولم تدن التصرفات الأمريكية، وطبقًا للبيان فإن المنظمة تعمل وفق التوجهات الأمريكية وسياسات القوة الأعظم فى العالم.
الصحف المصرية والعربية احتفت بهذا البيان وأبرزته، خاصة أن بين الموقعين كاتبين حصل كل منهما على جائزة نوبل فى الآداب، جاء البيان فى خطاب تم توجيهه إلى رئيس المنظمة.
«حقوق الإنسان» تستحق الاحترام ويجب العمل على الالتزام بها وتطبيقها، ولكن الملاحظ أن هناك متاجرة وسوء استغلال من بعض الأطراف الدولية لهذه القضية، أما منظمة «هيومان رايتس» فهى مثل منظمات أخرى عديدة، ليست سوى أذرع للولايات المتحدة، فى إطار ما يسمى بالقوة الناعمة، ولذا تجد هذه المنظمة تصمت تمامًا عن الأنظمة الحليفة وإن شئنا الدقة التابعة مباشرة للسياسات الأمريكية، وتصمت كذلك عن الحكام الذين يسايرون الإدارة الأمريكية، أيًا كانت هذه الإدارة وأيًا كان ذلك الحاكم، مثلاً كان «حامد قرضاى» رئيس أفغانستان السابق من أكثر حكام العالم فسادًا ماليًا، ولم يكن ينكر ذلك، ولكن تم الصمت عنه، لأن الإدارة الأمريكية كانت تسنده، وكانت ترى فيه الملاذ الذى يمكن أن يخرج القوات الأمريكية من وحل طالبان وأفغانستان، ولم يكن وحده، هناك حالة «نورى المالكى» رئيس وزراء العراق سابقًا، وكان طائفيًا من طراز مخيف، وكان دمويًا وساديًا بصورة جعلت كثيرًا من العراقيين يترحمون على صدام حسين وأيامه ونظامه، ولأنه كان مرضيًا عنه عند أمريكا، لم تلاحقه «هيومان رايتس» بتقاريرها الحادة.
مثل هذا السلوك من تلك المنظمة ومن منظمات أخرى مشابهة، يجعل البعض هنا وهناك يتندرون بمسألة حقوق الإنسان ذاتها ويرون فيها مجرد «سبوبة» مالية حينًا وعمالة سياسية حينًا آخر، وهى عند البعض قد تعنى خيانة الوطن، ولذا لم يعد غريبًا أن نجد مجموعات لدينا تنفر من كلمة حقوق الإنسان وتأخذ موقفًا عدائيًا تجاهها وتجاه من يرفع صوته باسمها، حتى لو كان مخلصًا وصادقًا ونزيهًا فى سلوكه وموقفه.
حقوق الإنسان ذاتها قضية عادلة، تستحق الدفاع عنها، لكن المنظمات والدول التى تتحدث باسمها، قد تقوم بتوظيفها لأغراض وأهداف سياسية وأحيانًا عدوانية تجاه دول أو شخصيات أو أطراف بعينها والنماذج كثيرة وعديدة.
حقوق الإنسان مثل الديمقراطية، يتحدث بها الكثيرون، كل يدعى وصلا بليلى، فى العالم الآن الكل يتحدث عن الديمقراطية ويعتبر نفسه نبيًا من أنبياء الديمقراطية، الوحيد الذى امتلك شجاعة أن ينتقد الديمقراطية، وسخر منها كثيرًا فى خطبه هو العقيد القذافى، الذى قدم تعريفًا مضحكًا وساخرًا للديمقراطية، وكان موقفه كذلك من مسألة حقوق الإنسان، لكن غيره ومن هم أشد ديكتاتورية منه تحدثوا باسم الديمقراطية، وقدموا مرافعات بليغة عنها باسمها، وتكشف الوقائع يوميًا أن أكثر المتحدثين باسم الديمقراطية ورافعى لواء حقوق الإنسان هم الأكثر بعدًا عنها والأشد ديكتاتورية.
يعنينى فى بيان انتقاد هيومان رايتس والهجوم عليها أن الدول الكبرى لها أذرع عديدة ومتباينة، فيها المخابراتى القذر وفيها ما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وهكذا، لكن ماذا عن أذرع الدولة المصرية؟
الواضح أمامنا أن الدولة المصرية منذ سنوات بعيدة لا تمتلك مثل هذه الأذرع والأغرب أنها لا تريد، ثم إنها تفتقد الأذرع التقليدية للدولة، المفترض أن كل دولة لديها ذراع إعلامى للداخل وآخر للخارج، البى. بى. سى. لديها قسم خاص بالعالم العربى وكذلك «France 24» العربى والإنجليزى، وقطر لديها الجزيرة والمملكة العربية السعودية لديها العربية، قل الشىء نفسه بالنسبة للصحف، فماذا لدى الدولة المصرية من ذلك، حتى الإعلام الرسمى، أقصد التليفزيون الرسمى ضعف تأثيره منذ مطلع التسعينيات، وهو الآن على حافة الانهيار وتراجع تأثيره حتى فى الداخل، ونعانى فشلاً إعلاميًا صارخًا على المستوى الخارجى، رغم عدالة قضايانا.
وفى مجال الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، نخسر كثيرًا لأسباب واهية وضعيفة، ونخوض معارك خاسرة، رغم أن المكسب متاح وممكن بسهولة، يمكننا تحسين صورتنا كثيرًا فى هذا المجال، والأهم أن نتبنى مثل هذه القضايا إنسانيًا وعالميًا، على مستوى الإقليم، تركيا تتبنى قضية جماعة الإخوان، وهذا حقها، ونحن نهاجمها بسبب ذلك، وبدلاً من الهجوم كان يمكن أن نهاجم بأسلوب آخر، كأن نتبنى قضية الأرمن والمذابح العثمانية لهم وكذلك قضية الأكراد وما يتعرضون له من اضطهاد عرقى صارخ، يتنافى تمامًا مع الديمقراطية والعلمانية ويتعارض حتى مع قيم الإسلام، وغير ذلك كثير.. لكننا بسبب الضعف والقصور فى التفكير والأداء نتعرض للهجوم والانتقاد من أناس هم آخر من يحق لهم ذلك.
تقوم سياسة الدولة على أشياء كثيرة من بينها أو على رأسها المصالح والقوة، وهذا ما لا نريد أن ندركه وأن ننفذه عمليًا.
«هيومان رايتس ووتش» منظمة أمريكية، تعمل وفق أهداف ومصالح الدولة الأمريكية، بصراحة ما الجديد فى ذلك وما هو المفاجئ بالنسبة لنا؟! نحن فى مصر أكثر من يعرف ذلك، بحكم تعاملاتنا الطويلة مع الولايات المتحدة، منذ القرن التاسع عشر، حين بدأت علاقاتنا مع الولايات المتحدة، ومنذ أن تعاظم الدور الأمريكى فى العالم، ثار المصريون سنة 19 تأثرًا بمبادئ الرئيس الأمريكى ويلسون، وبعد معاناة ضارية مع الاحتلال، وكانت المفاجأة الصاعقة للمصريين ولقادة الثورة وقتها أن الرئيس ويلسون وقف ضد مطالب المصريين بالاستقلال وإنهاء الاحتلال البريطانى، هذا نموذج مبكر جدًا يجب أن نتذكره باستمرار، وقف ويلسون ضد ثورة 19 لأن المصريين برأيه لا يمكن أن يحكموا أنفسهم ولا يستحقون الاستقلال ولا يمكنهم أن يعيشوا بدون الاحتلال البريطانى، وتعددت التجارب والمواقف، تأمل مثلاً الموقف الأمريكى من الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، ومساندتها التامة لعمليات تدمير غزة التى قامت بها إسرائيل ثلاث مرات فى السنوات الأخيرة، وكان التعليق الأمريكى الثابت فى كل مرة ومع كل عدوان إسرائيلى على الفلسطينيين أن إسرائيل لديها الحق فى الدفاع عن نفسها وأنها - أى الولايات المتحدة - تساند هذا الحق، كان هذا التعليق يصدر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بنفسه، ولم نسمع مرة أن هيومان رايتس أقامت العالم ضد الغزو والاحتلال الإسرائيلى.
الشخصيات التى وقعت على بيان إدانة «هيومان رايس ووتش» على حق تمامًا، البيان بالنسبة لنا مهم لقوة عباراته وحدة انتقاداته ورصانة الشخصيات التى وقعت عليه، والأهم من ذلك، أننا بإزاء بيان يدين الممارسات والسياسات الأمريكية التى قامت بها فى منطقة الشرق الأوسط، تحديدًا العراق وأفغانستان، ويمكن أن نضيف كذلك ليبيا والصومال وسوريا واليمن ومصر أيضًا.
أما نحن، ليس بيننا من وقع أو سيوقع على مثل هذا البيان، وليس لدى دولتنا منظمة مثل «هيومان رايتس» تتبنى أفكارها وسياساتها، لسنا هنا ولا هناك، صرنا محليين جدًا جدًا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف