مجموعة حوض النيل تكونت فى بدايات عام 2012 بعدد من أساتذة جامعات القاهرة وعين شمس وأسيوط وبنى سويف والإسكندرية فى تخصصات هندسة وإدارة المياه والسدود والجيولوجيا والبيئة والزراعة والتاريخ والقانون الدولى والعلوم السياسية، وانضم إليها تباعاً نخبة من المفكرين الاستراتيجيين والمثقفين وبعض الساسة والسفراء السابقين. ويجتمع أعضاؤها بصفة دورية، مرة كل شهر أو شهرين للعصف الفكرى والتحليل الفنى والعلمى والقانونى والسياسى والتاريخى لمجريات أحداث حوض النيل، خاصة تطورات أزمة سد النهضة. والهدف من تكوين المجموعة ومن لقاءاتها هو تقديم رؤية مهنية غير حكومية مستقلة حول قضايا حوض النيل تفيد صانع القرار، ولإثراء الحوار المجتمعى. وقامت هذه المجموعة بتنظيم ندوات وورش عمل مع دعوة الوزارات المعنية لحضورها والمشاركة الإيجابية فيها، أولها كانت فى كلية الهندسة جامعة القاهرة خلال عام 2012، والثانية كانت برعاية حزب المصريين الأحرار خلال عام 2013، وتم فيهما عرض أبحاث علمية وطنية ودولية عن سد النهضة، وتحليل الأهداف الإثيوبية من بناء السد، والعلاقة بين أزمة النهضة واتفاقية عنتيبى، وتصورات ورؤى حول مستقبل الأوضاع المائية والسياسية فى دول حوض النيل. وتشرع المجموعة حالياً باتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية لتتحول إلى جمعية أهلية يكون لها مقرها الدائم وكيانها القانونى، لتكون من الدعائم الأهلية للدولة المصرية فى هذا الملف الحيوى الذى نحسبه من أهم وأخطر ملفات الأمن القومى.
ومجموعة حوض النيل ترى أنّ المسار الفنّى للمباحثات الثلاثية متعثر، وأنّه لم يحقق النتائج المرجوة منه بالرغم من إهدار ثمانية عشر شهراً فى اجتماعات وزيارات ومؤتمرات قد تنجح بالكاد فى التعاقد مع مكتب استشارى لدراسة تداعيات سد النهضة على مصر والسودان. وممّا يؤكد رؤية المجموعة أنّه على الصعيد الآخر تستمر إثيوبيا ليل نهار فى إنشاءات السد حتى انتهت من 50% من بنيانه، بل أعلنت عن عزمها افتتاح المرحلة الأولى من السد فى يوليو المقبل. وترى مجموعة حوض النيل أنّ أسباب تعثر هذه المباحثات ترجع للتعنت الإثيوبى الواضح، وللموقف السودانى المؤيد للسد والداعم لإثيوبيا، وللمرونة المصرية الزائدة والتنازلات المتعددة والمتتالية بهدف إعادة بناء الثقة وإثبات حسن النيات ولكنّها كانت للأسف من طرف مصر وحدها. ولذلك أصبح مسار المباحثات غير مُجدٍ بعد أن تأخر بدء الدراسات لعام ونصف العام، وأقرت مصر بالسد، وبسعته التخزينية، وبحق إثيوبيا فى استخدام مياهه فى الكهرباء وأغراض التنمية الأخرى، وبحق إثيوبيا بحصة من مياه النيل الأزرق والنيل الرئيسى. وفى المقابل لم تقر إثيوبيا ولن تقر بحصتنا المائية التاريخية، بل أعلنت نهاراً جهاراً عن رفضها للطلب المصرى بانتظار نتائج دراسات السد قبل البدء فى ملء المرحلة الأولى من السد فى يوليو المقبل. والدراسات المزمعة لتداعيات السد على دولتى المصب، والتى تأمل مصر أن تبدأ قريباً، ترى مجموعة حوض النيل أنّها لن تستكمل قبل عدة سنوات تكون إثيوبيا خلالها قد انتهت من السد وتشغيله وتوليد كهربائه. والحكومة المصرية ما زالت مُصرّه على أنّه لا بديل عن المفاوضات احتراماً للاتفاقيات الموقعة مع إثيوبيا، وتؤكد أنها قادرة على منع إثيوبيا من تخزين مياه السد حتى الانتهاء من الدراسات. ولا نعلم ما هى الأسباب التى تدعو مصر إلى هذا الاعتقاد، بمعنى آخر أنه ليس هناك أى أمارة تدعم هذه الرؤية الحكومية. إن جميع الدلائل تشير إلى أن إثيوبيا لن تحترم اتفاقية إعلان المبادئ وأنها سوف تخزن المياه قبل الانتهاء من الدراسات، وأنها سوف تبدأ توليد الكهرباء بعد شهور قليلة. ولذلك ترى مجموعة حوض النيل الأهمية القصوى لأن تبدأ الحكومة المصرية بالإعداد لتحرك سريع على محاور موازية لإيجاد حل لهذه الأزمة وتقليل تداعيات سد النهضة الوخيمة على مصر. ومن ضمن هذه المحاور اللجوء إلى القضاء الدولى بصورتيه، محكمة العدل الدولية والتحكيم الدولى. ومن الواضح أن إثيوبيا لن تقبل التحكيم الدولى، غير أنه يمكن لمصر الإعلان من جانب واحد قبولها التحكيم -كما فعلت وقت تأميم قناة السويس- وذلك بالإعلان صراحة على قبولها الاختصاص الإلزامى لمحكمة العدل الدولية فى أى منازعات خاصة بنهر النيل إجمالاً أو بسد النهضة على وجه التخصيص. وهذا الإجراء سوف يظهر حسن نية مصر ورغبتها فى التسوية السلمية للمنازعات فى هذا الشأن، وفى المقابل سيظهر مدى تعسف إثيوبيا فى حال عدم استجابتها لهذا المسعى المصرى للتسوية القضائية. ويلى هذا الإجراء خطوات أكثر تصعيداً تبدأ بالإعلان رسمياً عن وقف المفاوضات مع الجانب الإثيوبى فى ملف سد النهضة، على أن يكون هذا الإعلان مصحوباً بتفاصيل دقيقة فيما يتعلق بأسبابه ودوافعه، مع التركيز على أوجه سوء النية والتعنت من جانب الطرف الإثيوبى.
وعلى محور مواز آخر، يتعين على مصر التقدم إلى الاتحاد الأفريقى وإلى مجلس الأمن الدولى بشكوى ضد التعنت الإثيوبى، مطالبين فيها بوقف إنشاءات السد فوراً لخطورته الفادحة على مصر، والمطالبة بإحالة القضية إلى التحكيم الدولى. ومن الضرورى أن يدعم الشكوى المستندات الدامغة عن مدى تأثير إقامة السد بأبعاده المعلنة على مصر وتداعياته على السلم والأمن على المستويين الإقليمى والدولى، ومطالبة مجلس الأمن بالتدخل وفقاً للفصل السابع من الميثاق. ومن ضمن المستندات الرئيسية التى تدعم المطالب المصرية أمام الاتحاد الأفريقى وأمام مجلس الأمن تقرير اللجنة الثلاثية الدولية الذى يدين دراسات السد الإنشائية والبيئية والاقتصادية، ويوضح أن هناك احتمالات كبيرة لانهيار السد وتهديد وجود ملايين من المواطنين، بالإضافة إلى تداعيات السد على دولتى المصب مائياً وكهربياً وبيئياً. والمستندات الأخرى هى اتفاقيات النيل التاريخية وإعلان مالابو ووثيقة إعلان المبادئ الذين خالفتهم إثيوبيا، بالإضافة للدراسات المصرية والدولية التى تدعم وجهة نظر مصر الفنية. ومن الضرورى أن يصاحب هذه الإجراءات جهد مصرى دبلوماسى كبير على الصعيدين الإقليمى والدولى لشرح أبعاد الأزمة وإيضاح الجهد وروح التعاون وحسن النية التى أبدتهما مصر خلال مباحثاتها مع إثيوبيا خلال السنوات الأربع الماضية، وروح التعنت والمماطلة فى السياسة الإثيوبية. وتوصى مجموعة حوض النيل باستغلال ما يمكن أن تقدمه جامعة الدول العربية لمصر، والدول العربية المهمة أيضاً، من دعم لمصر فى هذا المقام فى كل من الاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن الدولى.