[تبدأ الأسفار بسفر «رؤيا مانيتون السمنودى» وفيه يحكى مانيتون كيفية صعوده للسماء وتكليفه من قبل رب الأرباب «رع» بكتابة «الجبتانا»، عن طريق رؤيا للإله حورس الذى أيقظه من النوم وقدّم له «جبّار» أحد معاونى الإله رع الذى حمله على ظهره وتوقف به عند الجميزتين السماويتين وأعطاه أجنحته، وفهم منه مانيتون أنه لا يستطيع أن يتقدم وإلا احترق. وتقدم مانيتون وأخذ التكليف. حيث قال له الإله رع: «إنك مكلفٌ من قبلى بأن تكتب الجبتانا بحيث تجمع فيها كل أسفار التكوين المصرية»]
هل قرأتم كتاب «الجبتانا» (أسفار التكوين المصرية) الذي جمعه من مئات البرديات المؤرخُ المصري القديم «مانيتون السمنودي» الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، أي قبل الديانات السماوية الثلاث؟ صدر الكتاب باللغة العربية عن دار «روافد» عام ٢٠١١، ولم يأخذ حقه من الذيوع لأسباب مريبة. تعالوا نقرأ من الإصحاح الأول:
[في البّدء لم يكن إلا ماءٌ وضباب. ولم تكن حياةٌ. ولم تكن نباتات ولا دبابات. طبقتان متلاصقتان من المياه بينهما فاصلٌ فِضيّ من النور. الطبقة العليا من المياه هو «نون» المحيط الأزلي. ومياه وضبابٌ وظلمة. فالشمس لم تكن قد تكونت بعد. على سطح المحيط الأزلي نون طفت بيضة ذهبية في حجم ألف بيضة. وخرج «أتوم» أول الآلهة من تلك البيضة ودفع الطبقة العليا فارتفعت وانفتقت عن الطبقة السفلى التي هي بحار. “...” ولما رأي أتوم زرقة السماء وقتامتها، حيث لم يكن ليلٌ ولا نهار؛ أمر «نوت» ربة السماء: أيتها الربة زيني السماء، فاجعلي فيها مصابيح بالليل ونورًا في النهار. فاستجابت نوت فكان صباحٌ وكان مساء. ولكي يكون صباح صنعت نوت قرصًا كبيرًا من ذهب لينير النهار، وقرصًا أصغر من الفضة تعاونه مصابيحُ صغيرة لإنارة الليل. وفجأة تحرك قرص النهار الذهبي وصارت له الكلمة فقال: أنا «رع» رب الأرباب. صارت لي الكلمة ولم تعد الكلمة لأتوم. وفي الليل اهتز القرص الفضي ونطق بالكلمة قائلا: لم أعد مجرد مصباح بل أنا «خنصو» إله القمر الشجاع. صارت الكلمة للإله رع وأمر أن يظهر الوجود فاهتز الكون وكانت انفجارات ونيران وزلازل. فارتفعت أجزاء على سطح جب (الأرض) فكانت القارات. وانخفضت أجزاء فكانت البحار والمحيطات. ولما تأمل رع كل هذا وجده حسنا: أرضٌ تحوي جبالا ومرتفعات وبحارًا ووديانًا، وسماءٌ تزينها شمسٌ وقمر ونجوم، وفكر رع قائلا: وماذا بعد؟ إنني محتاج للحكمة. ووجِد تحوت إله الحكمة.]
الكتاب، كما ترون، يتناول تصور جدّنا المصري القديم عن بداية الخلْق، ثم ظهور الآلهة والخليقة، وصعودها للسماء، ثم تتوالى العصورُ والحقبُ حتى رصد أحداثا تاريخية حقيقية وقعت قبل أربعة آلاف سنة من مولد المؤلف، أي قبل أكثر من ستة آلاف سنة من وقتنا الحالي، إلى أن ينتهي الكتاب باتحاد الأراضي المصرية (الشمال والجنوب) للمرة الثانية وتأسيس الدولة المصرية وبداية ما عُرف بـعصر الأُسرات المصرية القديمة، أو عصر بُناء الأهرامات. ونتعرف من الكتاب على الوجود الأول لكل من أوزوريس وإيزيس وسِت (سِتان ومنها Satanوشيطان ). ويتكون من الأسفار التالية: «سفر رؤيا مانيتون السمنودي»، «سفر انبثاق الآلهة و العالم»، «سفر المهد”، «سفر النار والعالم الآخر»، «سفر التـثـنـيـة»، «سفر الاستئناس والتدجين»، «سفر المسوخ وشياطين الظلام»، «سفر القمح والكوشير»، «سفر المتحدين بالقلب واللسان»، «سفر رُسُل من أرض الآلهة»، «سفر أوزوريس»، «سفر آبو»، «سفر إعطاب السفينة»، «سفر آلام العائلة المقدسة»، «سفر صراع العائلة المقدسة»، «سفر الاتحاد الثاني».
يذكر «علي الألفي»، محقِّق الكتاب، أن تلك الأسفار كانت متداولة شفاهةً باللغة القبطية، بين أجدادنا على مدى خمسة وخمسين جيلاً، وكان الكهنة المسيحيون يتلُون نصوصًا منها في القُداسات. ثم نُسخت منسوخات الكتاب بالخط الديموطيقي في الفترات الأولى ثم باللغة القبطية في أزمانٍ تالية. ولعل بعض هذه المنسوخات لا تزال موجودة وسط أكداس البرديات التي لم يُكشف عنها بعد.
اقرأوا الكتاب لتتعرفوا أكثر على أجدادكم وسلفكم الطيب الذي لم يترك شأنًا من شؤون الدنيا والآخرة إلا وأدلى فيه بدلو.