مفارقة عجيبة.. أن تأتينا رسالتان متناقضتان من دبي في يوم واحد وفي صحيفة واحدة.. حيث يعلن رئيس وزراء الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم استحداث منصبين جديدين في حكومته.. وزير دولة للسعادة ووزير دولة للتسامح.. ويعلن رئيس وزراء مصر المهندس شريف اسماعيل ــ من دبي أيضاً ــ أن حكومته انتهت من إعداد مشروع قانون ضريبة القيمة المضافة.. وسيتم إرساله إلي البرلمان نهاية الشهر الحالي تمهيداً لإصداره والتعامل به في الربع الثاني من العام المالي الحالي.
سبحان العاطي الوهاب.. حكومة تعين وزيراً للسعادة تكون مهمته الأساسية "مواءمة جميع خطط الدولة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع".. ووزيراً للتسامح "لترسيخ التسامح كقيمة أساسية في المجتمع".. وحكومة أخري تهدي شعبها ضريبة جديدة في زمن صعب ليس فيه وظائف وليس فيه سياحة فتزيده غماً علي غم.
لا أدري لماذا أخذتني هاتان الرسالتان إلي عام الرمادة والرسالة التي بعث بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلي عمرو بن العاص والي مصر يشكو له حال المسلمين في المدينة المنورة ويطلب منه المدد.. فليس معقولاً أن يعيش المصريون في رغد وسعادة ويعيش أهل المدينة في بؤس وشقاء.. فكان رد عمرو بن العاص علي الخليفة: سأرسل لك مدداً أوله عندك وآخره عندي".
الدنيا الآن تغيرت والأحوال تبدلت.. وصار البؤس والشقاء والضرائب من نصيب المصريين.. بينما يبحث أشقاؤهم في الإمارات وفي السعودية وغيرهما كيفية تحقيق السعادة ــ رسمياً ــ لشعوبهم.. واللهم لا حسد.
ألم يسأل السيد رئيس وزرائنا نفسه: هل هذا وقت مناسب لفرض ضرائب جديدة علي المصريين الذين يعانون بما فيه الكفاية من الغلاء والبطالة.. وأي كلام عن ضريبة القيمة المضافة يصيبه بالإحباط والتوتر كمن ينتظركارثة سوف تقع علي رأسه في وقت من الأوقات.. وليس هناك أدني شك في أن مجلس النواب سوف يقر الضريبة وربما يزيدها.. فمجلس الأثرياء ورجال الأعمال والمال السياسي لا يمكن أبداً أن يشعر بحال الغلابة من محدودي الدخل.
ماذا يفعل المواطن العادي ــ يا سيادة رئيس الوزراء ــ في ظل الظروف الطاحنة.. وهو يري الدائرة تضيق من حوله وتضغط عليه والأسعار تخنقه. أسعار الكهرباء والمياه والغاز والسلع الغذائية الأساسية.. هذا شعب مكدود.. منهك.. محبط.. يريد فقط أن يعيش.. ولا يتطلع إلي السعادة.. ينتظر من يحنو عليه لا من يضاعف من أزماته.
وبدلاً من أن تتركه الحكومة يدبر شئونه وسط معمعة الأسعار وانخفاض الدخل تفاجئه بما هو أدهي وأمر.. فتنصب له فخاً جديداً بالإعلان عن ضريبة القيمة المضافة التي قال وزير المالية إنها ستوفر للدولة 30 مليار جنيه تساهم في سد عجز الموازنة.
يا ناس حرام.. هل تفكرون فقط في الـــ 30 مليار جنيه ولا تفكرون في المواطن المسكين الذي سيتحمل أعباء هذه الضريبة؟!.. ولماذا لا تأتي الـــ 30 مليار جنيه من الضريبة التصاعدية.. أو من ضريبة أرباح البورصة.. أو من ضريبة الـــ 5% التي اقترحها الأثرياء علي الدخل الأكثر من مليون جنيه بشكل مؤقت.. أو رفع الحد الأقصي للضريبة إلي 30% بدلاً من 5.22% كما كانت.
وهناك اتفاق كامل ــ وبدون مواربة ـــ علي أن المواطن ــ المستهلك ــ هو الذي سيدفع ضريبة القيمة المضافة في صورة زيادات فلكية في الأسعار.. هكذا قال الخبراء والمتخصصون والمستوردون ورجال الصناعة والتجارة.. بينما يصر وزير المالية علي أن التأثير علي الأسعار لن يتجاوز 3%.. وهو تخمين غير منضبط وغير واقعي.. لأن الوزير لا يمتلك الأدوات التي يتحكم بها في نسبة التأثير بعد أن يطلق إشارة بدء تطبيق الضريبة.
لماذا تخفف الحكومة الأعباء علي الأغنياء فتسعدهم بينما تزيد هذه الأعباء علي الفقراء فتنكد عليهم معيشتهم.. وتسرق منهم سعادتهم؟!