عصام سليمان
بالعقل -صديقي .. جبريل !!
هل لو كان الكاتب الكبير والمبدع الرائع محمد جبريل الذي أثري المكتبة بالعديد من المؤلفات التي أعيد طبعها أكثر من مرة أحد الفنانين أو لاعب كرة.. كانت ستتركه الدولة هكذا يتوجع وتئن أسرته الصغيرة الممثلة في الزوجة والأبناء والأسرة الكبيرة من أهل الابداع الذين أخذ جبريل بأيديهم طوال رحلة عمره المديدة حتي عرفوا الطريق إلي الشهرة؟!
ولمن لا يعلم جبريل حصل علي جائزة الدولة التقديرية وقام العديد من الباحثين ليس في مصر وحدها ولكن في عدد من الدول العربية بإعداد رسائل ماجستير ودكتوراه حول أعماله وابداعاته الغزيرة التي قدمها خلال مشواره الطويل.
أكرر القول هل لو كان هذا المريض القيمة والقامة الذي يتألم ويتوجع فنانا أو لاعب كرة مثلاً وليس شخصاً بقيمة المبدع محمد جبريل هل كانت ستتركه الدولة هكذا دون أن تحنو عليه أو تعالجه.. وتنفذ القرار الذي أصدره رئيس الوزراء السابق ابراهيم محلب بعلاجه علي نفقة الدولة.. وهو القرار الذي مازال حبراً علي ورق منذ أكثر من تسعة أشهر بالتمام والكمال!!
ونعيد الكلام الذي كتب عشرات المرات في معظم الصحف علي حالة محمد جبريل الذي أجري جراحة فاشلة بالعمود الفقري كلفته أكثر من 100 ألف جنيه.. ونصحه الأطباء بضرورة علاجه من أوجاعه في الخارج بعد أن أصبح قعيداً لا يقوي علي الحركة.. وتتضاعف آلامه يوماً بعد يوم!!
عانت زوجته كثيراً وهي تدور علي المكاتب من أجل تنفيذ قرار رئيس الوزراء.. بلا فائدة سوي ردود لا تغني ولا تسمن وتسويفات بلا مبرر.. ثم وعد وزير الثقافة الحالي حلمي النمنم بالمساعدة لتنفيد القرار ولكن شيئاً من ذلك لم يتم علي أرض الواقع!!
تذكرت كل ذلك وأنا أتلقي إبداع محمد جبريل الأخير من وحي رحلة المرض التي عايشها.. أقصد الرواية التسجيلية "مقصدي البوح لا الشكوي" والتي نشرتها "المساء" علي حلقات اسبوعية وتلقفتها الهيئة العامة لقصور الثقافة وطبعتها في طبعة أنيقة بغلاف يعبر عن المأساة التي يعيشها كاتبنا الكبير وتلاميذه ومحبوه من هول الإهمال واللامبالاة بصحة مفكر وكاتب قيمة وقامة ــ كما قلت ــ تعيش بيننا هذا العذاب ولا نتحرك بفاعلية لعلاجه.. فهل هذه هي قيمة المفكر والمثقف والمبدع عندنا؟!
انه سؤال أسوقه إلي كل مسئول في مصر.. خاصة أن صديقي جبريل رغم ظروفه الصحية الصعبة لايتوقف يوماً عن تقديم مقاله اليومي في جريدة "المساء" الذي اعتاد عليه القراء.. يناقش فيه كل جديد في عالم السياسة والحياة اليومية ومستجدات الساحة بأسلوبه الراقي الذي تعودنا عليه.
كما أنه لم يتخلف عن تقديم صفحته الأسبوعية قضايا أدبية كعهده دائماً مع أهل الأدب بفروعه المختلفة.. فهل هذا هو الجزاء الذي يلقاه؟! وهل يكون النكران لحقه في العلاج علي هذا النحو؟!
ما تخلف عنه جبريل خلال رحلة المرض التي يعاني منها أنه لم يعد يستطيع لقاء الأصدقاء والمحبين في صالونات الأدب التي كان يحرص عليها.. ولم يعد ينظم ندوة المساء الأسبوعية.. ويقتصر الأمر علي لقاء من يقومون بزيارته في منزله وهو علي كرسيه المتحرك!!
هزتني من الأعماق كلماته في الرواية تعبيراً عن هذه الحالة: "لا أذكر أنني كنت من هواة المشي لكنني سأحرص ــ إذا أتاح الله لي حرية الحركة ــ أن أمشي بلا توقف انضم لتيارات الناس والزحام.. اخترق الأسواق والشوارع والميادين والحواري والأزقة.. أسير علي الكورنيش من رأس التين حتي المنتزه أستعيد رؤي وذكريات لا يدركني الملل"!!
تحركوا يا سادة لإنقاذ الرجل الذي أثري حياتنا بالكثير والكثير ومازال يعمل وينتج ويبدع رغم محنة المرض والتجاهل.. وحان الوقت لنرد الجميل أملاً ورجاءً في الشفاء.. فهل نفعل؟!
أتمني.