الصباح
سليمان جودة
هذا أغلى ما نملكه.. فمتى ندرك قيمته؟!
استوقفنى جدًا، أن يطلب الرئيس من وزير الزراعة، خلال اللقاء الذى جرى بينهما، يوم الأربعاء الماضى، تحديث أساليب الرى والزراعة.
وبشكل أدق، أقول إن الشق الأول من الطلب، الخاص بتحديث أساليب الرى تحديدًا، هو الذى استوقفنى أكثر.. وأتمنى لو أنه استوقف كل واحد منا، سواء كان مواطنًا من آحاد الناس أو كان مسئولًا فى الدولة، يعرف قيمة كل قطرة ماء تأتينا فى النيل!
وليس سرًا، أن هذا الطلب من جانب الرئيس وليس بعيدًا، فلقد طالب به هو نفسه، من قبل ثم إنه طلب قديم، لحكومات متتالية، منذ حكومة أحمد نظيف، فيما قبل ثورة 25 يناير، وصولًا إلى حكومة شريف إسماعيل.
إن إجمالى ما تملكه إسرائيل، التى هى دولة مجاورة لنا، من ماء رى، يدور حول مليار متر مكعب، ومع ذلك، فإنها تُصدر حاصلات زراعية، بأضعاف أضعاف ما نصدره نحن، الذين نملك 55 مليار متر مكعب، يأتى بها النيل، فى كل عام.. وهناك كلام عن أن ما يأتينا، يفوق هذه الكمية كثيرًا!
فما السبب؟!.. السبب هو حُسن استخدام كل متر ماء، وأكاد أقول كل قطرة عندها، فى الوقت الذى يقطع كل مراقب لنا، وللطريقة التى نستخدم بها مياهنا، ريًا أو شربًا، بأننا لسنا أهلًا لها، وبأننا لا ندرك معنى أن يكون عندنا هذا الكم من الماء، وبأننا لابد أن نخضع جميعًا، لدورات عاجلة فى التدريب، وفى الترشيد، نتعلم منها، كيف يمكن أن يتوجه كل متر ماء مُتاح لنا، إلى مكانه الصحيح.
إن لك أن تتصور حجم صادراتنا الزراعية، لو أن الـ55 مليار متر مكعب، قد جرى توظيفها، بالطريقة نفسها، التى توظف بها تل أبيب، ما عندها من مياه.. فإذا كان هناك أحد بيننا، سوف لا يعجبه أن نقارن أنفسنا بدولة محتلة، ومغتصبة لأرض فلسطين، فليبحث عن أى دولة أخرى فى العالم، تكون ناهضة، وتكون راغبة فى أن تكون لها مكانة بين الدول، ثم يقارن بيننا، وبينها، وسوف يرى ساعتها، أن ما نمارسه نحن، فى حق مياهنا، وفى حق نيلنا، لا يمكن أن يوصف، إلا بأنه نوع من السفه، فضلًا عن أنه جريمة بأى مقياس.
أريد من أى واحد منا، أن يذهب إلى أى مصلحة حكومية، ثم يراقب هناك، كيف يتعامل الموظفون مع الماء المُتاح فى الحنفيات، وكيف يهدره، ويبدده، ثم كيف يمعن فى الإهدار، وفى التبديد، وكأنه مكلف بذلك تكليفًا.. ولابد أنه سوف يكون كذلك فى بيته، لأننى لا أتوقع مواطنًا سويًا فى البيت، وعكس ذلك فى العمل.. لا أتوقع!
هذا عن ماء الشرب.. أما ماء الزراعة، فليست هناك دولة فى العالم، تروى زراعاتها بطريقة الغمر، التى لا نزال نروى بها.. فالعالم يعرف الآن، ومنذ زمن، الرى بالرش، ويعرف الرى بالتنقيط، وهما طريقتان ليستا للرى فى الصحراء فقط، كما قد يبدو، ولكنهما للرى فى أى مكان، وفى أى رقعة زراعية، لأن الغرض منهما، هو أن ينفق صاحب الماء، كل قطرة منه، فى مكانها، وأن ينفقها، إذا أنفقها، لتكون ذات عائد عليه، وعلى أهله، وأرضه، وبلده، لا لتكون إنفاقًا بغير عائد!
إن دعوة الرئيس، لوزير الزراعة، بأن تتبع الوزارة، أساليب الرى الحديثة، ليست كافية، رغم أنها مهمة، ورغم أنها فى وقتها، وهى ليست كافية، لأنها لن تُجدى، إذا ما ظلت على إطلاقها هكذا، وإنما لابد أن يكون إعلانها مقرونًا بخطة تضع الحكومة لها أول، وتضع لها آخر، من حيث التنفيذ، ومن حيث وسائله، ومن حيث أهدافه، ومن حيث مداه الزمنى.. فهكذا تتحرك الأمم فى عصرنا هذا، فى كل ملف، وليس فى ملف المياه وحده!
المياه، هى أغلى ما نملك، إلى جانب الأرض، كدولة، مع ذلك فإننا حتى الآن، لا نعرف كيف نوظف أغلى ما نملكه، ولا كيف نعظم من عوائده، ولن يتحقق هذا، إلا إذا كان طلب الرئيس، من وزير زراعته، ضمن رؤية أشمل تضمه، وليس طلبًا عابرًا يتوه مع غيره من الطلبات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف