مؤمن الهباء
شهادة -الحكومة .. وصحة المواطن
علمتني التجارب أن أهتم بالتحقيقات الصحفية الميدانية.. خصوصاً إذا ركزت علي مواقع الخدمات الجماهيرية.. هنا تؤدي الصحافة مهمتها الرقابية.. وتسلط الأضواء علي السلبيات لإصلاحها.. أو تقدم نماذج إيجابية ناجحة يقتدي بها.. وتتمرد الصحافة بذلك علي القمقم الذي يريد البعض أن يحبسها فيه ليقتصر دورها علي النفاق والطبل والزمر لكل من أمسك بالصولجان.. وكل من يحاول تقديم رؤية مغايرة. فالتهم جاهزة له.. ولآبائه وأجداده.
الصحافة رسالة فكرية وثقافية وسياسية واجتماعية لتنوير الناس بالحقائق.. وتعميق وعيهم.. وهي عينهم التي يبصرون بها الأخطاء وجوانب القصور. ولسانهم الذي يخاطبون به أصحاب القرار.. ومن أراد أن يحول هذه الرسالة إلي وظيفة يتكسب منها.. أو أداة لإنجاز مصالحه الخاصة.. فإنه في الواقع يقضي علي نفسه مبكراً. ويخسر خسراناً مبيناً.. مثله كمثل غشاش الطعام الذي قد يخدع بعض الناس لبعض الوقت.. لكنه لن يخدع كل الناس كل الوقت.
وقد لاحظت مؤخراً أن صحفنا بدأت تجري عدة تحقيقات صحفية ميدانية حول أوضاع المستشفيات الحكومية. بعد أزمة مستشفي المطرية. والاعتداء علي الأطباء فيه.. وأيضاً بمناسبة الكلام عن قانون التأمين الصحي الجديد الذي سيفرض علي هذه المستشفيات شروط الجودة. حتي يمكن لهيئة التأمين أن تتعامل معها. وترسل إليها مرضاها.
كثير من الصحف أجرت تحقيقات في هذه المستشفيات الحكومية. فكشفت لنا. ولمن بيده سلطة القرار. مدي التدني والفوضي والانهيار والعجز الذي وصلت إليه لعدم وجود أي إمكانات حقيقية. تسمح لها بأداء دورها.. هي مجرد لافتات علي جدران ليس بمقدورها أن تقدم خدمات صحية آدمية للمواطن.. ومن ثم تحولت هذه المستشفيات. وبالذات أقسام الطوارئ والاستقبال. إلي ساحات قتال بين المرضي وذويهم في جانب. والأطباء وجهاز التمريض في جانب آخر.
في هذه التحقيقات يؤكد الأطباء أن قلة الإمكانيات والموارد والمخصصات العلاجية وراء الأزمة. وأنهم يحصدون تقصير وزارة الصحة التي جعلت بند العلاج بعد بندي الإنشاءات والمرتبات.. في حين يري المرضي أن نقص تأهيل أطباء الطوارئ. وهروبهم من أداء واجبهم. وتراخيهم وإهمالهم. السبب الرئيسي وراء المشاحنات اليومية بأقسام الاستقبال والطوارئ.. ويطالبون بضرورة وضع إطار للتعامل بين الطبيب والمريض.. يحفظ للطبيب كرامته. وللمريض آدميته.
في كثير من المستشفيات. خاصة بالمحافظات. لا يجد المريض طبيباً ينقذه. وإذا وجد الطبيب لا يجد الدواء. والأجهزة دائماً معطلة.. ناهيك عن تدني مستوي النظافة والأثاث.. ويكون عليه. أو علي ذويه. توفير مستلزمات العلاج حتي ولو كانت مستلزمات الإسعافات الأولية.
أين يجد المواطن نفسه وسط هذه المنظومة الفاشلة؟!!
هذا سؤال مهم.. يجب أن تسأله الحكومة لنفسها قبل أن تتغني بحبها للوطن والمواطن. ويجب أن تسأله وزارة الصحة تحديداً لنفسها. وهي تعد الآن مشروعاً جديداً للتأمين الصحي. تتخلص به من مسئولية علاج المصريين جميعاً. وتلقي بها علي عاتق هيئة التأمين الصحي التي ستكون مستقلة.. لكي تخرج من المأزق. وتنفض يدها من أي تبعات ومسئوليات.
وما هو الحل؟!!
لابد أن تكون ميزانية الصحة مقدمة علي أي ميزانية أخري في الموازنة العامة للدولة.. ولابد أن تكون مخصصات العلاج في هذه الميزانية مقدمة علي ميزانية الإنشاءات والمرتبات.. ولابد أن تكون متابعة وزارة الصحة لأداء المستشفيات جميعاً هي الأساس.. ولا تسقط مسئولية الحكومة "الدولة" عن صحة مواطنيها. وعلاجهم تحت أي ظرف.
هل وصلت الرسالة؟!.. اللهم فاشهد.