عباس الطرابيلى
هموم مصرية- فعلاً.. بلد ألقاب بصحيح!
لا أقول أخطأنا عندما ألغينا الألقاب فى بدايات ثورة يوليو.. من باشا وبك.. وصاحب العزة وصاحب المعالى.. ولكننا نخطئ الآن عندما نسمح بأن يطلق ـ أى إنسان ـ على نفسه مثل هذه الألقاب الآن.. على الأقل كنا زمان نخضع لنظام محدد لإطلاق هذه الألقاب.. الآن أصبحت العملية سداح مداح.. وأصبح كل واحد يحمل ما يشاء من ألقاب.. والأمثلة عديدة.
نجد الآن ـ مثلاً ـ من يمنح نفسه لقب «نائب وزير الخارجية» أو لقب نائب وزيرالزراعة.. أو لقب نائب وزير العدل.. بينما لم تعرف هذه الوزارات بالذات رسمياً هذا اللقب.. وإن كنا قد عرفنا مثلاً ـ أيام حكم الرئيس عبدالناصر ـ لقب نائب وزير الإسكان والمرافق.. وكان أشهرهم هو المهندس إبراهيم نجيب عام 1962 ود. محمد لبيب شقير نائباً لوزير التخطيط ومحمد على حافظ نائباً لوزير التربية والتعليم وفتحى رزق نائباً لوزير الحربية وعبدالفتاح حسن نائباً لوزير الخارجية وقبلهما د. حسن بغدادى نائباً لوزير التجارة والصناعة عام 1953 ولكن كان ذلك لضرورات اهتمام الدولة بحل مشكلة الإسكان.. أو بداية العمل بالخطط الخمسية.. أو الصناعة أو الحربية للبحث عن إعادة تسليح الجيش.. ولكن كان كل هؤلاء النواب يدخلون الوزارة ضمن مرسوم تشكيل الحكومة.
<< ولكننا الآن نجد فعلاً من يمنح نفسه لقب نائب الوزير.. دون أن يصدر له مرسوم جمهورى بذلك.. وربما لأن بعضهم يرون أنهم تجازوا لقب وكيل الوزارة «الدائم القديم» أو لقب وكيل الوزارة الأول.. أو لقب الوكيل فقط تماماً كما توسعنا فى ألقاب مساعد الوزير.. ثم مساعد أول الوزير.. وإذا كانت الألقاب الأخيرة لها ضروراتها من الناحية الإدارية بحكم أن مصر تحكمها الآن مافيا الألقاب.. فإننا مع التعدد الوزارى نجد العجب.
<< مثلاً: من يخرج على المعاش ضابطاً برتبة عميد أو ما تحتها.. وحتى لو خرج برتبة مقدم مثلاً فإنه يبحث الآن عمن بقى فى الخدمة من زملاء الدفعة ويمنح نفسه لقب زميله فى الدفعة، حتى ولو كان برتبة لواء!! وهنا نجد أن القوات المسلحة هى الوحيدة المتمسكة ـ خصوصاً فى نشرات النعى والوفاة ـ بتصحيح الألقاب.. ولكننا أمام الإعلام نجد العجب.
ثم ما هى حكاية معالى فلان العلانى.. وتصعيدها الى صاحب المعالى والطريف أن نجد من يطلق ذلك على نفسه شفاهة.. والأغلب من يتجاوز الشفاهة إلى الكتابة.. وهذه بالذات نجدها فى سلك القضاء.. رغم أن معالى.. وصاحب المعالى.. كان يشترط لمن يحملهما أن يكون قد نال اللقب بمرسوم ملكى.. أو تولى منصباً وزارياً.. ولكننا نجده الآن يطق على رؤساء المحاكم.. والنائب العام.. وما بينهما.. وحتى وزير العدل.. فلماذا؟!
<< ثم هل يصح لكل سفير ـ حتى ولو خرج على المعاش منذ 20 عاماً ـ أن يحمل لقب مساعد وزير الخارجية، وهى درجة إدارية لم تكن معروفة عند هذا التاريخ.. ثم نجد حتى العاملين فى الوزارات من يخاطب وزيره بمعالى فلان الفلانى.. أو حتى صاحب المعالى.. ثم يضطر باقى المتعاملين ـ وهم يسمعون ذلك ـ أن يطلقوا هذه الألقاب على الوزراء وربما على من دونهم.. وداخل الوزارات.. ووجدنا هذه الموجة منتشرة حتى فى نشرات النعى والوفاة والمشاطرة وكأن المتوفى لن يتم دفنه إذا لم يسبق اسمه هذه الصفة.. حتى ولو لم يكن قد نالها رسمياً.. وهى غير موجودة بالفعل!!
<< مع انتشار استخدام هذه الألقاب نجد الشعب نفسه مضطراً مجبراً على مجاراة كل هؤلاء.. فلم يعد على لسان جهاز الشرطة إلا أن يخاطب الناس، أى رتبة، بلفظ: باشا.. حتى ولو كان أمين شرطة.. فما بالنا فى تعاملنا مع كبار الضباط.. وانطلق ذلك على ألسنة العامة ومن أرباب الحرف.. فكل «صنايعى» يتخاطب ويسبق اسمه كلمة ياباشمهندس ولا يكتفى البعض بصفة مهندس.. ولابد من «باش» والباش أو الباشا هو الرئيس.. فالممرض عندما يكبر ويرتقى يصبح «باشتمرجى».. والحكيم عندما يكبر يصبح باشحكيم!! انطلاقاً من نظرية شاويش وباشاويش حتى العطشجى منحناه لقب «باشعطشجى»!!
<< نفعل كل ذلك دون أن ندرى أن المجتمع قبل إلغاء الألقاب كان يعرف الأصول فى حمل الألقاب.. ولكن ذلك ما يجرى الآن ويؤكد عشق المصرى للألقاب والتفخيم والعظمة.. وبات المصرى مقتنعاً أن «مصلحته» لن تتم إلا بأن يعظم من يطلب منه هذه الخدمة.. وتابعوا ما يجرى الآن على لسان العامة.
فهل نحن بحاجة الآن إلى قانون نستدعى فيه كبار العاملين فى أمناء رئاسة مجلس الوزراء.. ورئاسة الجمهورية لتحديد صفة كل موظف عام.. أم الأفضل أن نعيد الألقاب التى ألغيناها مع ثورة يوليو.. فهى أرحم مما نراه الآن.
<< ولكن كل ذلك يؤكد أننا فعلاً بلد ألقاب.. منذ أن أطلقنا على الملك.. لقب فرعون.. ويعنى ساكن البيت العالى أو البيت الكبير.. حقاً شر البلية ما يضحك!!