محمد جبريل
ع البحري -لتعدد القوانين فلسفة
إصدار القوانين يجب أن يوضع في إطار نظرة كلية تضع في اعتبارها مدي تأثير كل حادثة علي المجتمع.
لست مشرعا ومعرفتي بالقوانين تمنع يا دوب من الجهل بها حتي لا أدان بالمسئولية. اللافت ان الأحكام القضائية تنقسم إلي جنحة وجناية. الفارق هو بين عقوبة الجنحة التي تقتصر علي بضعة أشهر أو بضع سنوات والحكم الجنائي الذي قد يبلغ حد الإعدام!
أعرف الحدود التي تفرق بين قضايا الجنح وقضايا الجنايات وإن احتملت قضايا الجنح ـ في تصوري ـ ما لا يعدو المخالفات التي يسببها الإهمال وغياب الإحساس بالمسئولية. أما الجناية فقد يسمها التعبير القضائي بسبق الإصرار والترصد لأنها تلحق أذي بالغاً يصل حد القتل العمد.
ظني انه يجب أن توجه تهمة القتل العمد في الكثير من حوادث البنايات ووسائل المواصلات ومرافق حياتنا المختلفة.
من الخطأ أن نضع الحوادث البسيطة مثل إلقاء الزبالة في الطريق العام أو الوقوف في الممنوع أو اشغال الطريق وغيرها إلي جانب قضايا القصد والإهمال الذي يدرك فاعله جيداً انه قد يتسبب في قتل الآخرين.
المثل الذي يحضرني حوادث المزلقانات المفتوحة أمام القطارات والعابرين لا أدين الخفير الغلبان وإنما أوجه الاتهام بقبضة اليد ضد المنعمين في المكاتب المكيفة الهواء وثمة انهيار بنايات علي سكانها لغياب المواصفات الصحيحة ومنها غش الخامات واللهوجة في عملية البناء وثمة بيع الأغذية التي لا تصلح لإطعام البشر. أذكر ـ بالمناسبة ـ صاحب شركة أغذية شهيرة. دعا عدداً من أصدقائه للغداء في بيته. سأل الخادم بعد أن وضع الأطباق علي المائدة من أين؟ قال الخادم بعفوية : من شركة معاليكم. هتف المخدوم باستياء : ابعدها!
هدف القانون حماية المجتمع من كل ما يتهدده سواء كان الفاعل فرداً أم مؤسسة. الحكم يجب أن يصدر علي الفاعل بقدر تأثير الجريمة أو التأثير الذي كان يستهدفه الجاني من ارتكابها وهو ما لم يتحقق إلا بالتوصيف الحقيقي. لكل جريمة تحديدها بقدر الأثر الذي تحدثه أو يدرك الجاني انها ستحدثه في بيع الطعام الفاسد لا يغيب عن فطنته الغبية ان الموت هو النتيجة التي سيحدثها طعامه المسموم في البشر. إن لم تلحقهم رحمة الله والجالس في غرفته المغلقة داخل مبني السكة الحديد يعزل نفسه ـ وسط أوراقه وتصريحاته الإعلانية ـ النون مقصودة ـ عن أوضاع الهيئة في الورش والمزلقانات. أما المقاول الذي يغري بفلوسه مهندس الحي للتوقيع علي تصريح البناء وهو يعرف غياب أبسط المقومات فإنه يدرك جيداً خطورة النتائج المرتقبة.
لكي تستقيم الأمور فلابد من إعادة النظر إلي الكثير من الثوابت الظالمة.