ناجح ابراهيم
أيها العرب والخليجيون: احذروا سوريا
■ من عبقرية الرسول «صلى الله عليه وسلم» العسكرية التى أشاد بها كثير من المحللين والقادة العسكريين أنه لم يحارب على جبهتين قط طوال حياته، ولم يوزع جهده العسكرى على جبهات متعددة حتى لا يستنزف جيشه، ذلك إذا اضطرته الأمور للحرب رغم كراهيته لها، فعندما أراد أن يحارب يهود خيبر عقد «صلح الحديبية» قبلها مع قريش وحلفائها وأمن جانبهم.
■ واليوم تريد بعض الدول العربية التى نحبها ونودها ونتمنى لها الخير أن تكسر هذه القاعدة، وأن ترسل قواتها إلى سوريا فضلاً عن انشغالها العسكرى على جبهة اليمن القريبة والمفتوحة ولم تغلق بعد، لتحارب فى اتجاهين متعاكسين شمالاً وجنوباً، مع ما قد يترتب على ذلك من كوارث الله أعلم بها.
■ إننى مع كل المخلصين فى العالم العربى نخاف على هذه الدول الحبيبة من الولوغ فى المستنقع السورى الذى تحتشد فيه جيوش بلاد كثيرة، فهناك روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا والعراق، فضلاً عن عشرات الميليشيات الظاهرة والمستترة ومجموعات استخباراتية عتيدة تستطيع أن توقع أى جيش عربى فى مصيدة لا يستطيع الفكاك منها.
■ إن أزمة الحروب أنها تبدأ صغيرة وبسيطة ثم تتفاقم وتكبر فلا يستطيع أحد السيطرة عليها أو إيقافها، كما حدث من قبل أيام الستينات حينما تدخلت مصر فى اليمن بجيشها فأرسلت فى البداية كتيبة فواجهت مصاعب فلحقتها أخرى ثم ثالثة حتى أصبح تعداد الجيش المصرى فى اليمن 70 ألف جندى فى آخر الحرب التى طالت واستمرت سنوات، وكان التدخل المصرى فى اليمن سبباً مباشراً من أسباب أكبر نكسة لحقت بمصر والعرب جميعاً فى 5 يونيو سنة 1967، فضلاً عن الآثار الاقتصادية المدمرة التى جرتها حرب اليمن.
■ وقد بلغ عدد قتلى الجيش المصرى من جراء حرب اليمن قرابة عشرة آلاف قتيل، فضلاً عن آلاف الجرحى دون أدنى فائدة جنتها مصر أو العرب.
■ وهذه أمريكا حينما ذهبت بقواتها إلى فيتنام وقعت فى المصيدة الفيتنامية المشحونة بالحرب بالوكالة لمدة عشر سنوات، خسر فيها الجيش الأمريكى 58 ألف قتيل مع ثلث مليون جريح، وتلطخت سمعته نتيجة قتله لقرابة مليون ونصف فيتنامى، بعضهم قتل فى مذابح للمدنيين يندى لها الجبين، مما اضطرها فى النهاية للانسحاب.
■ وهذه أمريكا صاحبة أكبر اقتصاد فى العالم كادت تفلس حينما حاربت فى أفغانستان والعراق فى وقت واحد، ولولا مساعدات الأصدقاء والحلفاء السخية لسقطت وانهارت.
■ وهذا الاتحاد السوفيتى حينما أرسل جيشه إلى أفغانستان فدبرت له أمريكا والغرب وحلفاؤهما مصيدة متقنة من الحرب بالوكالة أدت إلى مقتل 14.453 وجرح 53.753 عسكرياً سوفيتياً.
■ وقد كانت جنازات الجنود السوفيت القادمين من الجبهة الأفغانية هى المحرك الرئيسى لرفض الشعب الروسى هذه الحرب، وكانت المقدمة لانهيار الاتحاد السوفيتى وتمزقه.
■ أما جنازات العسكريين الأمريكيين الذين قتلوا فى فيتنام فكانت المحرك الأساسى لرفض الشعب الأمريكى الحرب هناك.
■ أما صدام حسين فكانت نهايته قد تقررت فى اليوم الذى حرك جيشه صوب الكويت واحتلها، وكتبت معه نهاية جيشه والعراق ووحدته.
■ أما هتلر فلم يضيعه وألمانيا سوى ذهاب جيشه إلى بلاد وقارات أخرى ظن أنه يستطيع إخضاعها لنفوذه.
■ وقد حاول ريجان فى بداية الثمانينات إغراء الرئيس الأسبق مبارك بغزو ليبيا رداً على حماقات القذافى مع الغرب، ولكن مبارك كان واعياً لدرس عبدالناصر فى اليمن لأنه عاشه ومساعدوه بأنفسهم، فرفض عرض ريجان رغم كل الإغراءات التى قدمها له لأنه أدرك أنه سيورطه فى ليبيا ثم يتخلى عنه بعد ذلك.
■ لقد كان دخول العثمانيين إلى دول البلقان بداية الانهيار السياسى والعسكرى والاقتصادى لهم وتآمر الأوروبيون على الدولة العثمانية حتى قضوا عليها تماماً.
■ إن المصيبة الكبرى فى ذهاب الجيوش خارج حدودها أنها تقاتل فى غير الأرض والميادين التى تعرفها وتألفها وفى المدن التى يسهل فيها نصب الأكمنة وأعمال القنص.
■ أما المصيبة الثانية فإنها تصطدم بقوات غير نظامية تجيد حرب العصابات والكر والفر وتحسنه فى أرض عمليات تعرفها جيداً لتوقع فى القوات النظامية خسائر فادحة.
■ فضلاً عن كون إيران لها ميليشيات عدة فى الحلبة السورية ولها مسميات كثيرة وكلها تابعة للحرس الثورى الإيرانى تخطيطاً وتمويلاً وتدريباً وعملياتياً، وهى ميليشيات عقائدية تشبه داعش وتحترف القتل وتحسن القتال فى المدن والأحراش التى لا تجيدها الجيوش النظامية، وهذه الميليشيات مع الحرس الثورى لها ثأر تريد إدراكه من بعض الدول العربية عامة والخليجية خاصة، وينبغى على هذه الدول ألا تمنحها هذه الفرصة ولا تقدم لها جنودها كغنيمة باردة.
■ إن الولوج فى الجبهة السورية ليس سهلاً ولا هيناً ولا مفيداً أيضاً، فقد خسرت تركيا الكثير من الولوج فى هذا الملعب وتخلت عنها أمريكا فى نهاية المطاف.
■ لقد كتبت إحدى الصحف الأمريكية الشهيرة الأسبوع الماضى أن عام 2016 هو نهاية استقرار العالم، ولعلها تقصد الشرق الأوسط خاصة.
■ والمصيبة الكبرى أننا جميعاً نحيى اقتصاد الغرب باستيراد السلاح ليقتل به بعضنا بعضاً، وقديماً كان السادات يردد: «ارفعوا أيديكم عن لبنان»، ونحن الآن نقول للجميع وأولهم إيران وروسيا والغرب وتركيا: «ارفعوا أيديكم عن سوريا».. ونقول للدول العربية التى نحبها وتريد إدخال جيوشها لسوريا «احذروا الدخول فى المستنقع السورى».