الوطن
د. محمود خليل
الخلافة و«الخناقة» على سوريا
لسرٍّ ما تشكل «سوريا» قبلة لكل الطامحين إلى الخلافة. قد يفسر هذا السر أن الأرض السورية شكلت نقطة انطلاق لتأسيس الدولة الأموية، حين تمرد معاوية بن أبى سفيان على الخليفة الشرعى على بن أبى طالب ورفض مبايعته إلا بعد الثأر من قتلة عثمان، رضى الله عن الجميع. من سوريا أدار معاوية معركته مع أهل العراق الذين انحازوا إلى على، لينتهى الأمر باستشهاد الخليفة الرابع، ومن بعده تنازل ولى عهده الحسن بن على عن الخلافة لمعاوية، حقناً لدماء المسلمين، لتبدأ رحلة حكم بنى أمية التى تواصلت على مدار ما يزيد على 90 عاماً.

فى اللحظة المعاصرة نجد أن كل من يحلم باستعادة هذه الفكرة، التى كانت صالحة فى عصرها ولم تعد مناسبة للواقع المعيش، دائماً ما يضع سوريا نصب عينيه. فرغم الوجود الكبير لتنظيم «داعش» فى العراق فإن طمعه فى سوريا كان واضحاً، فاستولى على مدينة الرقة، واتخذها معقلاً له، وعاصمة لما أُطلق عليه الخلافة. ويعيش الدواعش على ما يمكن وصفه بأسطورة «دابق»، إذ يعتقدون أن بلدة «دابق» فى ريف حلب السورية ستكون مسرحاً لمعركة منتظرة بين المسلمين والكفار، وستبدأ منها رحلة إقامة الخلافة الداعشية إلى خارج الهلال السورى العراقى. لا تعجب، فالأوهام محرك مهم من محركات التاريخ، وأكبر وهم يقع فيه البعض هو الظن بأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه!.

الطيب «أردوغان» يحلم هو الآخر بإحياء أمجاد أجداده، وارتداء عمامة الخليفة والجلوس على كرسيها ليصبح سلطاناً على المسلمين، ربما كان ذلك واحداً من الأسباب -وليس كل الأسباب بالطبع- التى دفعته إلى تحريك أرتال عسكرية برية لبدء رحلة غزو سوريا. من الممكن أن يكون نفس الوهم «الداعشى» قد داخل «أردوغان»، فحلم بخوض معركة «دابق» والانتصار فيها ليخرج منها خليفة. لم لا وأجداده قد بدأوا رحلة إقامة الدولة العثمانية من «دابق» أيضاً، حين انتصر السلطان العثمانى سليم الأول على الجيش الذى كان يقوده السلطان المصرى قنصوه الغورى، وشكّل احتلال سوريا بوابة للعبور إلى مصر، ومنها إلى الدول الأخرى التى خضعت للسيطرة العثمانية. سوريا و«دابق» قاسم مشترك أعظم بين الدواعش والأتراك. وجنباً إلى جنب تحركت المملكة العربية السعودية للمشاركة فى المعركة إلى جوار تركيا. الهدف المعلن للطرفين هو الحرب على «داعش»، تماماً مثلما يعلن كل من تطأ أقدامه سوريا، لكن الواقع يؤكد أن «بشار» هو الموضوع، سواء الإطاحة به أو الدفاع عن استمراره فى الحكم.

بغضّ النظر عن النتائج التى ستتمخض عنها المواجهات الساخنة فى سوريا، من المهم أن نفهم أن أغلب من رفعوا يافطة «الخلافة» -بعد مرحلة الخلافة الراشدة- لم يكن الدين موضوعهم، قدر ما كانت الدنيا، فخلف راية الخلافة اختفت العديد من المطامع والرغبات الجامحة فى التوسع، ليس بهدف نشر الإسلام، بل بهدف حصد مكاسب الدنيا. ونظرة سريعة إلى التجربة العثمانية والأردوغانية والداعشية يمكن أن تثبت لك صدق ما أقول، فكلها تجارب فى الغزو وإذلال شعوب مسلمة! أفيد ما فى «الخناقة» الدائرة الآن فى سوريا أنها ستعرى الكثير من الأوهام التى تشكل بالنسبة للبعض «أكل عيش»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف